الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا أعمل بسبب كرهي مخالطة الناس.. أرجو النصيحة!

السؤال

السلام عليكم.

أنا شاب عمري 28 عاماً، كنت في صغري ألعب وألهو، وليس لي هدف في الحياة، ولم أكن أعمل وأنا صبي، وفي عمر 14 سنة، كنت أعاير بسبب شكلي، والناس تطيل النظر إليّ، وتكز على عينيها وكأنها رأت إنساناً غريباً، ويقال لي: شكلك كبير! حتى صرت أعتزل الناس، وأجلس في البيت، وكنت أخرج للمسجد وأرجع، وكان أبي في صغري يسبني، ويصفني بالفاشل، وأنا لا أعمل الآن، حتى بعد إتمام دراستي الجامعية، حيث درست الشريعة.

أنا الآن في مأزق، لا أعمل، ليس كسلاً ولا كرهاً في العمل، وإنما كرهاً في مخالطة الناس، حتى أصبحت نفسي منعزلة، وقد قرأت أحاديث عديدة عن المسألة، مثل: (أنها لا تزال بالرجل حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم)، وحديث (من أمره النبي بالاحتطاب خير من أن تأتي المسألة نكتة في وجهه)، فصرت أخاف حتى أن أتكلم بين الناس، ولا أعلم إن كان هذا جبناً أم ماذا؟ وأبي رجل كبير، وأخي يرسل إليه المال، وأنا آكل معه.

قلبي حزين لحالي، وأعرف أنه لن يتغير إلا بالسعي، وأنا أقول لنفسي: لا أريد مخالطة الناس، ولا أريد أن أعيش عالة، ولا أحب هذا، وأبكي دائماً بسبب ذلك الأمر، فهل ينطبق علي حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- لأني جالس بلا عمل، ومنعزل عن الناس؟ وهل أكون بذلك من أهل النار؟ كما وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- (الضعيف الذي لا زبر له، الذين هم فيكم تبعاً لا يبتغون أهلاً ولا مالاً).

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبدالله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مشكلتك -أخي الكريم- ليست في تساؤلك: هل ينطبق عليك حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- حول (الضعيف الذي لا زبر له..)، وإنما مشكلتك هي في موضوع خجلك من مخالطة الناس، أو ما يمكن أن يوصف بالرهاب الاجتماعي، لذلك سنتحدث عن الرهاب الاجتماعي وكيف تتعامل معه، لأن هذا هو ما تحتاجه بالضبط-:

الرهاب الاجتماعي -المعروف أيضًا باسم اضطراب القلق الاجتماعي- هو حالة صحية عقلية تتميز بالخوف الشديد من المواقف الاجتماعية، قد يشعر الأشخاص المصابون بالرهاب الاجتماعي بالقلق بشأن الحكم عليهم أو تقييمهم أو إحراجهم أمام الآخرين، يمكن أن يؤدي هذا الخوف إلى تجنب المواقف الاجتماعية تمامًا، مما قد يكون له تأثير سلبي على حياة الشخص.

لا توجد طريقة مؤكدة للوقاية من الرهاب الاجتماعي، ولكن هناك بعض الأشياء التي يمكنك القيام بها لتقليل خطر الإصابة بهذه الحالة، وتشمل:

1- تحديد محفزاتك، ما هي المواقف الاجتماعية التي تجعلك تشعر بالقلق؟ بمجرد أن تعرف ما هي محفزاتك، يمكنك البدء في تجنبها أو تطوير آليات التكيف للتعامل معها، مثال ذلك: لو كنت تخاف من أماكن معينة فقط، كالخوف من الأسواق مثلاً، ولكنك لا تخاف من الذهاب إلى المساجد، فهنا يمكنك البحث عن الأسباب التي جعلتك تخاف من الأسواق، قد تكون هناك تجربة مؤلمة مررت بها كانت هي السبب في ذلك.
2- يمكن أن يساعدك العمل على بناء ثقتك بنفسك، على الشعور براحة أكبر في المواقف الاجتماعية.
3- تعلم تقنيات الاسترخاء، يمكن أن تساعدك تقنيات الاسترخاء، مثل التنفس العميق والتأمل، في إدارة القلق. يمكن الرجوع لمعرفة طريقة الاسترخاء في هذه الاستشارة ((2136015))
4- طلب المساعدة المتخصصة: إذا كنت تعاني من الرهاب الاجتماعي، فمن المهم طلب المساعدة المهنية، يمكن أن يساعدك المعالج في تطوير آليات التأقلم وإدارة قلقك.

فيما يلي بعض النصائح الإضافية التي قد تساعدك في منع الرهاب الاجتماعي:
- الحصول على قسط كاف من النوم، عندما تحصل على قسط جيد من الراحة، تكون قادرًا بشكل أفضل على التعامل مع التوتر.
- اتبع نظامًا غذائيًا صحيًا، يمكن أن يساعد اتباع نظام غذائي صحي في تحسين مزاجك ومستويات الطاقة لديك.
- تمرن بانتظام. التمرين طريقة رائعة لتقليل التوتر وتحسين ثقتك بنفسك.
- اقضِ الوقت مع الأشخاص الداعمين لك، يمكن أن يساعدك وجود الأصدقاء والعائلة الذين يدعمونك على الشعور بقلق أقل وعزلة.

إذا كنت تعتقد أنك قد تكون مصابًا بالرهاب الاجتماعي، فمن المهم التحدث إلى الطبيب أو أخصائي الصحة العقلية، يمكنهم مساعدتك في تحديد ما إذا كان لديك الحالة، والتوصية بخيارات العلاج.

مجدداً نعيد التذكير: بأن مشكلتك ليست في تصنيفك وعاقبتك عند الله تعالى، فهذا أمر لا نعلمه نحن ولا أنت، وإنما المطلوب هو البحث في مشكلتك الحالية (الرهاب الاجتماعي)، والسعي في حلها.

صحيح هناك أسباب -أنت سردتها- في ثنايا حديثك من تصرف الوالد معك في صغرك، والتي يمكن وصفها بأنها تصرفات غير تربوية، وغير رشيدة، قد يكون له ظروفه التي جعلته يلجأ لمثل هذه التصرفات، لكن المطلوب ألا تلتفت للماضي، وأن تتحلى بالشجاعة الكافية التي سوف تخرجك من عزلتك، وأول هذه الخطوات هي أن ترغم نفسك على الذهاب إلى صلاة الجماعة في المسجد، فمن شأن هذا الأمر أن يكسر عندك حاجز الخوف من مقابلة الناس، وستزول الحساسية تدريجياً إلى أن تتمكن -بمشيئة الله تعالى- من الانطلاق في ميادين الحياة المختلفة.
- يقول الله تعالى: ﴿وَٱسۡتَعِینُوا۟ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ وَإِنَّهَا لَكَبِیرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَـٰشِعِینَ﴾ [البقرة ٤٥]
- ويقول تعالى: ﴿وَٱلَّذِینَ یُمَسِّكُونَ بِٱلۡكِتَـٰبِ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّا لَا نُضِیعُ أَجۡرَ ٱلۡمُصۡلِحِینَ﴾ [الأعراف ١٧٠]

ويكفي أن تعلم أن الصلاة تدخل صاحبها في سلك الخاشعين والمصلحين، جعلنا الله وإياك منهم، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً