الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تغيرت سلوكيات زوجي بما لا أطيقه، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا امرأة متزوجة منذ خمس سنوات، عندما تقدم زوجي لخطبتي وقبل أن يستقبله أهلي سألناه وأمه إن كان مدخناً، فأجاب بلا، زوجي لم يكن غنياً مطلقاً، بل كان على حد الفقر، دخله قليل ولا يملك سيارة أو منزلاً، رضيت به لأنه كان ملتزمًا وخلوقًا ويخاف الله جدًا، حتى أنّه نصحني بألا أحضر حفل تخرجي لأنه مختلط، وبالفعل عملت بنصيحته، وكنت سعيدة جدًا لأنه على هذا القدر من التدين.

بعد فترة من خطبتنا سُجن لثمانية أشهر، وصبرت واحتسبت أجري عند الله وانتظرته حتى خرج، ووقفت إلى جانبه ووجدت له عملاً، وكنت أعمل معه لساعات طويلة، ثم تزوجنا وبقيت حياتنا مستقرة السنة الأولى، بعد إنجاب طفلتنا غيّر طبيعة عمله إلى سائق، مع أنني كنت ضد هذا العمل، لأني أعلم أخلاق أغلب السائقين، ولكن أمه شجعته عليه، ومن هنا بدأ يتغير، وابتعد كثيرًا عن رفاقه الصالحين، وبدأت رحلة المشاكل، أصبح مدخنًا، وعندما عرفت بالأمر ساعدته كثيرًا للتخلص منه، وسجلت له في نادٍ رياضي، وبالفعل تركه، ولكن من ذلك الوقت وهو يدخن ويترك، اكتشفت ذلك، وبعد خلاف وشجار، إلى أن أصبح في الآونة الأخيرة مدخناً رسمياً، يدخن أمام الجميع عداي، حتى يختصر المشاكل، علمًا بأن رفاقه الآن أغلبهم عصاة، وكثير منهم لا يصلي، وقد ترك صلاة السنة، وترك صلاة الفجر حاضرًا، وأصبح يحب الذهاب إلى السينما، ولا يمانع من سماع الأغاني، وأهله يتسترون عليه، لأنهم يعرفون أنني تزوجته لالتزامه، ولا أطيق العيش مع شاب أصبح بهذا البعد عن الله.

فضلًا عن أنه يخفي دائماً ما يملك من مال، ليحاول أخذ أي شيء من مالي ولو جزءًا بسيطًا، علماً أني موظفة، وكنت أدفع عنه إيجار البيت 3 سنوات، حتى تيسر وضعه وأصبح يزداد من راتبه كثيرًا ويدخر منه، ومع ذلك لا يكف عن الطلب مني، وكذلك فإن أمه صعبة جدًا، ولا توفر فرصة تستطيع فيها طعني أو التنكيد علي إلا وتفعل، لذلك أحاول اختصار العلاقة معها، فأذهب لزيارتهم مرة كل أسبوعين، وحتى أكون صادقة، فأنا لست إنسانة كاملة، صحيح أني أحافظ على طفلتي وابني كثيرًا، وأقوم بكامل المهام الزوجية والبيتية، إلا أنّ تصرفاته السابقة، بالإضافة إلى جلوسه 6 ساعات يومياً على الهاتف، تستفزني كثيرًا، فأبدأ بالصراخ والشتم.

أريد مساعدة حقيقية، فأنا أخاف على أطفالي أن يتربوا بعيداً عن أبيهم، وكذلك لا أطيق تصرفاته وطبعه الجديد! فقد أصبح إنسانًا آخر لا أستطيع تقبله! وقد بدأت أخسر أخلاقي، فأصبحت أشتم وأنا لم أكن بهذا الطبع من قبل!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك مجددًا في استشارات إسلام ويب.

أولاً: نسأل الله تعالى أن يُصلح زوجك ويلْهمه الصواب والرشد، وأن يُديم المودة والألفة والتراحم بينكما، ونوصيك -ابنتنا العزيزة- باللجوء إلى الله سبحانه وتعالى، والإكثار من دعائه أن يُصلح أحوالكم كلها.

ثانيًا: وإن كنا نوافقك أن زوجك تغيّر إلى حالٍ أسوأ، ولكنّه رغم ذلك كله لا يزال في حالٍ يمكن لك أن تعيشي معه بهدوء ووئام، وتبذلي جهدك في إصلاحه وردِّه، لا تيأسي من ذلك، فإن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يُقلِّبُها كيف يشاء.

وممَّا يُحفّزك ويُعينك على أداء هذه المهمة: أن تتيقني أنك في عملٍ صالحٍ يُحبُّه الله، ويأجرك عليه، فإن دعوتك لزوجك إلى الخير والحفاظ على دينه عبادة جليلة، هي أمرٌ بالمعروف ونهي عن المنكر، وهي دعوة إلى الله، وهي إحسانٍ إلى إنسانٍ مسلمٍ، وهي حفاظ على بيتك وزوجك وأولادك، وكل هذه عبادات جليلة لك فيها عظيم الأجر والثواب، والله تعالى أخبر عن نفسه بأنه لا يُضيع أجر من أحسن عملاً.

فتذكُّرك لهذا البُعد يُحفّزك نحو الصبر وتحمُّل العناء في محاولات إصلاح زوجك، ونؤكد ثانيةً -أختنا العزيزة- ألَّا تيأسي من الإصلاح، وخذي بالأسباب المؤثرة على زوجك، من حيث الإحسان إليه بالكلمة الطيبة، وإظهار الشفقة عليه، والحب له، والحرص على آخرته، فإن الكلمة الطيبة تفعل في النفس فعل السحر وزيادة، وقد قال الله سبحانه وتعالى: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌّ حميم}.

فالكلمات الطيبة لا بد وأن تصنع في النفس شيئًا، والنفوس مجبولة على حب من أحسن إليها، فنوصيك بالصبر على زوجك، واستعمال الوسائل المؤثرة عليه، من نحو إسماعه المواعظ التي تُذكّرُه بالله تعالى واليوم الآخر، تُذكّرُه بالجنّة وما فيها من الثواب، وبالنار وما فيها من العقاب، تُذكّرُه بالقيامة والوقوف بين يدي الله والسؤال عن الأعمال، فالإيمان إذا ارتفع مستواه في القلب فإنه يحجز هذا الإنسان عن كثيرٍ من الممارسات السيئة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الإيمان قيد الفتك).

- حاولي أن تُكرري نفس التجارب السابقة مع الصبر والأناة.
- أنشئي علاقات اجتماعية وأسرية مع الأسر التي فيها رجال صالحون حتى يتأثر بهم ويُجالسهم.
- اجعلي هدفك الأول هو إصلاح الزوج من أجل الله تعالى ومن أجل أولاده وأسرته، وسيعينك الله تعالى على تحقيق هذا المراد وييسّره لك.
- حاولي أن تحذري من المشاعر السلبية التي يريد الشيطان أن يقذفها إلى قلبك من الكراهية والبُغض لهذا الزوج، وعدم تحمُّل الحياة معه، فإن الشيطان حريصٌ كل الحرص على تفريق الأسرة وهدمها، فليس في حال زوجك ما يدعو إلى اتخاذ مثل هذا القرار.

نسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته أن يتولّى عونك، وييسّر لك أمرك، ويُصلح زوجك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً