الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الخوف والقلق والخجل بسبب فقد حنان الوالدين

السؤال

أعزائي المشرفين على هذا القسم، لكم جميعاً جزيل الشكر على المجهود الذي تبذلونه على راحة المسلمين أجمعين، وأكثر الله من أمثالكم وأمثال هذه المواقع المفيدة.

مشكلتي - يا سادة للأسف صعبة جداً - وهي أنني ولدت وأمي توفيت أثناء الولادة، وعندما وعيت على الدنيا كما يقولون لم أستطع أن أشعر بحنان الأم، لأن أبي في هذا الوقت قد تزوج بأخرى، ولأنني كنت صغيرا لم أكن أعرف أنها زوجة أبي، وليست أمي.

وبعد أن كبرت وأصبحت في هذا السن وبعد أن طلق أبي زوجته بدأت في حالات اكتئاب غير محتمل، ففي كثير من الأحيان أجلس وأحدث نفسي كأنّ شخصاً يقف أمامي وأنا أحدثه، وذلك لأن أبي شديد العصبية لم أشعر في يوم من الأيام أنه أبي، لم يجلس معي في يوم كما يفعل الآباء ويحدثني عما يغضبني ويفرحني، لم يعرف طباعي.

إنه للأسف مجرد أب يصرف علي فقط، فأصبحت أحتاجه بشدة مادياً فقط، فهو بالنسبة لي شخص ينفق علي فقط، لا أعرف ماذا أفعل؟ لا أجد من أحدثه فأضطر إلى أن أتخيل وجود شخص معي وأحدثه عما بداخلي بلا خوف أو خجل، لا أجد من أبكي في صدره الحنون، وفي كل مرة ينتهي حديثي مع الشخص غير المرئي الذي ابتدعته من وحي خيالي بالبكاء على أمي رحمها الله، وأتساءل دائماً: إلى متى سيستمر هذا الأمر؟!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

حقيقةً فنحن لا ننكر أن فقدان الأم في سن مبكرة ربما يكون له بعض الآثار النفسية السلبية، ولكن لا نقول هذا الكلام على الإطلاق؛ لأن الكثير من الناس قد نشؤوا في بيوت الأيتام وقد فقدوا الوالدين في سن مبكرة، وكانوا الحمد لله في قمة التوازن العاطفي وقوة الشخصية، وقد نجحوا في حياتهم العملية والعلمية والاجتماعية والأسرية.

لابد أن تنظر للأمور بمقياس آخر، أنت وُجدت في هذه الدنيا، وهذه حقيقة لا نستطيع أن نغيرها، أنت فقدت والدتك – عليها رحمة الله – في وقت الولادة، وهذه حقيقة لا نستطيع أن نغيرها، ولكن -الحمد لله- والدك موجود، بالرغم مما ذكرته من أنه لا يتقرب إليك عاطفياً ووجدانياً، فهو -كما ذكرت- يقوم بالإنفاق عليك، وهذا في حد ذاته -في نظري- شيء إيجابي وجميل جدّاً؛ لأن واحداً من المشاكل التي نواجهها أن الكثير من الآباء لا يتكفلون بالنفقة على أبنائهم.

إذن: فوالدك -في نظري- قد حل 70% من المشكلة التي ربما تكون بينك وبينه، ما هو المطلوب الآن؟! المطلوب الآن أن تتقرب أنت إلى والدك، افتح معه الحوارات، حاول أن ترضيه، حاول أن تبره، حاول أن تؤنسه، حاول أن تجلس معه، حاول أن تُبدي له الثناء على ما قدمه لك.

أرى أن العلاقة بين الناس دائماً لابد أن يبدأها أحد الطرفين، ثم بعد ذلك سوف تكون العلاقة متبادلة، صدقني أنك إذا عزمت وتقربت إلى والدك، وأنا لا أقول أن تتقرب إليه تصنعاً، إنما تتقرب إليه بكل جدية وبكل يقين، وحين تكون أنت البادئ -إن شاء الله- سوف تجني ثمار هذه العلاقة؛ لأن والدك سوف يتقرب إليك، أنا لا أؤمن مطلقاً أن والدك لا يريد أن يتقرب إليك، أو أنه يتجاهلك، أو أنه لا يُبدي عواطفه نحوك، هذا ليس بصحيح، فحب الآباء للأبناء هو حب غريزي وجبلي؛ ولأن حب الأبناء للآباء ليس بالغريزي إنما هو مكتسب، ربما يكون المنهج الذي يتبعه والدك هو شيء من طبيعته أو من فطرته.

أرجو ألا تحمل عليه، أرجو ألا تؤاخذه مطلقاً، وفي رأيي فإن تقربك نحوه وحواره سوف يفتح لك آفاقاً جديدة فيما يخص صحتك النفسية، وسوف تجد أن هذه الهموم والسلبيات التي تنتابك قد انتهت، هذا هو المرتكز الأساسي الذي يجب أن تبدأ به.

بالنسبة لوالدتك؛ فأسأل الله الرحمة لها، حاول أن تبرها بما تستطيع، قل: أنا إن شاء الله سوف أتخرج بشهادة ممتازة وسوف أعمل وسوف أحج عن والدتي وسوف أبني لها سبيلاً للماء، احفر لها بئراً، هذا شيء عظيم، قل هذا مع نفسك، هذا إن شاء الله سوف يجعل الدافعية قوية لديك.

أنت لا تحتاج أبداً لأن تبكي على صدر أحد، أنت الحمد لله الآن رجل وفي مقام الرجولة، انهض بنفسك، انهض بفكرك، واجتهد في دراستك، هذا الشخص الذي تتخيله هو نوع من الخيال غير المنطقي والخيال غير الصحيح، أرجو ألا تشرد بتفكيرك لهذه الدرجة، أوقف هذه الهلاوس المصطنعة، هذه لا داعي لها مطلقاً، عش في الواقع، لأنك تستطيع أن تعيش في الواقع، وأمامك إن شاء الله مستقبل زاهر، فقط حاول أن تتقرب لوالدك بصورة إيجابية وبصورة فعّالة، وصدقني حين تتقدم نحوه خطوة سوف يتقدم نحوك خطوتين، حتى وإن لم يتقدم نحوك سر على هذا المنهج، يجب أن تصر عليه، ويجب أن تواظب على التقرب له، وسوف تجد منه إن شاء في يوم من الأيام الاستجابة الإيجابية.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً