الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بقاء الزوجة مع زوجها الذي يتهاون بالصلاة

السؤال

السلام عليكم.

لي صديقة متزوجة ونعم الصديقة فهي تصلي وذات أخلاق حسنة، ولكن زوجها لا يصلي، وقد قامت بنصحه ولا تزال حتى الآن تنصحه بأن يصلي، ففي بعض الأحيان يطيعها ويصلي 3 أو4 أيام ثم يقطعها لمدة أسبوع أو أكثر، والآن قد قامت بوضع خطة وهي أنها لا تجامعه حتى ولو طلب منها ذلك حتى يصلي على الأقل ذلك اليوم وزوجها الآن يصلي فقط عندما يكون بحاجة للممارسة مع زوجته.

فهل يجوز ما تفعله مع زوجها والمقصود في ذاك أن يصلي زوجها؟ هي تحبه ويحبها أيضاً ولا تريد الانفصال منه فهو إنسان نبيل ومحب للخير فربما سبب إهماله للصلاة أنه تربى في بلاد غير مسلمة في فرنسا، وأن والديه لم يضغطا عليه كثيراً، فهو الآن نادم على كل ما مضى وصارح زوجته بكل الأفعال التي قام بها وأخبرها أيضاً بأسماء الفتيات اللاتي خرج معهن.

السؤال الثاني: لي أخت تبلغ من العمر16 عاماً وهي لا تصلي إلا إذا أمرها أبي فتصلي، والآن هناك بعض الناس يقولون إنها تصلي لأبي وليس له، هل هذا صحيح؟

وشكراً لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Fatiha حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجزيك خيراً عن صديقتك التي تسألين نيابة عنها، كما نسأله تبارك وتعالى أن يصلح لها زوجها وأن يصلح ما بينها وبينه وأن يجعله عوناً لها على طاعة الله وأن يرزقه الاستقامة والهداية وأن يجعلهما وأنت معهم ونحن جميعاً من عباده الصالحين ومن أوليائه المقربين.

كون الأخت تعيش في بلاد الغرب فقطعاً بلاد الغرب لها تحديات وهناك ضريبة تُدفع للإقامة في بلاد الكفر، ولذلك نجد أن النبي – عليه الصلاة والسلام – قد تبرأ من الإقامة في تلك البلاد، حيث إن الإنسان لا يستطيع أن يقيم دينه على الوضع الصحيح حتى وإن كان هنالك حرية دين، إلا أنه نظراً لقلة العلم الشرعي بين المسلمين ولانشغالهم بأمور الحياة أيضاً وانخراطهم في تلك الحياة القاسية الشديدة - التي هي بيئة الغفلة والمعصية والكفر قطعاً – فإن من يحيا في تلك البلاد سيتأثر إلى حد بعيد بهذه البيئة الفاسدة الكافرة الضالة المظلمة المضلة.

ولذلك هذا الأخ -زوج صديقتك- هو أحد ضحايا هذه الحياة لأنه نشأ في بيئة لا تهتم بالإسلام بالمعنى الصحيح ولذلك كان ذلك سبباً في عدم حرصه على الصلاة والمحافظة عليها، بل لعله أيضاً – كما فهمت – قد وقع في غيرها من المعاصي، وهذا أمر طبيعي حيث إن الكثير – مع الأسف الشديد – من المهاجرين لا يجعل قضية دينه نصب عينيه وإنما يجعل قضية الأرزاق وجمع الأموال وقضية الاستقرار الأسري والاجتماعي هي الهدف الأول وقضية الاستفادة من الامتيازات الموجودة، أما قضية الدين فبعض هؤلاء لا يذهب إلى المسجد مطلقاً بل إني أعرف في كثير من البلاد أنهم حتى صلاة الجمعة لا يصلونها مع المسلمين، وأيضاً أعرف أن كثيراً من الأخوات لا يلتزمن الحجاب الشرعي بل إن بعض الرجال والنساء من المسلمين والمسلمات يقومون بتغيير الأسماء حتى لا يتهم بأن هذا من المسلمين – مع الأسف الشديد – وكثير حتى من المحاضرات التي تُعطى في الجامعات من المحاضرات الإسلامية لبعض المحاضرين لا يحضرها هؤلاء المسلمون المهاجرون بحجة أنهم سيعرف بأنهم من المسلمين فيضيق عليهم.

هذا كله مع الأسف الشديد ثمرة طبيعية للإقامة في تلك البلاد، وهو أيضاً نتيجة حتمية لعدم الاهتمام بشرع الله تعالى، فالأخ هذا -زوج الأخت - ضحية من ضحايا الإقامة في تلك البلاد ونسأل الله تبارك وتعالى أن يصلحه وأن يغفر له وأن يتوب عليه.

كونه يصلي في بعض الأحيان ويتوقف في بعض الأحايين؛ هذا طبعاً يجعلنا نرجو ونؤمل أن يأت اليوم الذي يصلي فيه الصلوات كلها جميعاً، والأخت الكريمة – جزاها الله خيراً – ننصحها أيضاً بأن تواصل النصيحة والتذكير، ولا مانع أن تستعين أيضاً ببعض الأشرطة الطيبة، هناك شريط للشيخ (محمد حسين يعقوب) بعنوان (لماذا لا تصلي)، فمن الممكن للأخت أن تدخل على موقع الشيخ وتستمع لهذا الشريط، وهو شريط رائع جدّاً بموجبه - إن شاء الله تعالى – تستطيع أن تسمعه لزوجها لعل الله سبحانه وتعالى أن ينفعه به.

وهناك أيضاً بعض الكتيبات التي تتكلم (لماذا نصلي ولماذا لا نصلي)، لعل الأخ يكون في حاجة إلى شيء من القناعات العلمية، وتلك الكتيبات البسيطة التي هي عبارة عن دعوة وترغيب – ولعل الله أن ينفعه بذلك، فننصح الأخت الكريمة بأن تواصل النصح وألا تتوقف عنه.

أما ما تفعله من عدم إعطائه حقه الشرعي من الجماع، فهذا الأمر فيه صواب وخطأ، فأما خطؤه فيُخشى أن يتوجه زوجها لغيرها فيبحث عن مكان يقضي فيه الشهوة، خاصة وأن تلك البلاد مفتوحة وأنه قد يرحب به إذا فعل ذلك، فإذا كانت ترى من زوجها أنه راغب في هذا الأمر وتخشى عليه أن ينحرف فلا ينبغي لها أن تفعل ذلك معه؛ لأن هذا الأمر سيؤدي إلى عواقب وخيمة، والأصل في الضرر لا يعالج بضرر أكبر منه، فإنه الآن إذا ارتكب جريمة الزنا وترك الصلاة فقد وقع في خطر عظيم، أما كونه الآن يصلي أحياناً ويترك أحياناً ولا يقع في الزنا فحاله الآن أحسن من حاله إذا وقع في الجريمتين معاً، ولذلك أنصح الأخت الكريمة – بارك الله فيها – أولاً أن تنظر في حاله، فإذا كان من النوع المتعلق بالشهوة والجنس ولا يصبر فلا ينبغي أن تفعل ذلك ويجب أن تتوقف عنه – كما ذكرت – حتى لا يؤدي ذلك إلى وقوع جريمتين في وقت واحد أو عدة جرائم، فهذه جريمة الخيانة الزوجية وجريمة الزنا وجريمة تارك الصلاة، والله أعلم ماذا سيترتب أو سيأتي بعد ذلك من مسلسلات المعاصي.

أما إذا كان زوجها رجل عفيف وهي واثقة بأنه لن ينظر لغيرها ولن يقع في الزنا فلا مانع أن تلوح بذلك بين الحين والآخر حتى لا تحرمه حقه، وهي كون أن زوجها الآن أصبح يصلي في الوقت الذي يكون بحاجة الممارسة الجنسية، هذا إفساد أيضاً، لأننا معنى ذلك جعلناه لا يصلي لله وإنما يصلي للجنس، وهذا يجعلني أتراجع وأقول: لا ينبغي أن تستعمل هذه الطريقة وإنما تواصل النصح وأن تبين له أن الصلاة لله تبارك وتعالى ولا ينبغي أن تربطه بشيء آخر؛ لأنه الآن يصلي عندما يريد أن يجامعها، فمعنى ذلك أنه صلى بسبب الجماع، والنبي – عليه الصلاة والسلام – قال: (تعس عبد المرأة) أو (تعس عبد الفرج) فلعلها بذلك أن تحول زوجها إلى عابدٍ لهذه الشهوة وأفسدت عليه عقيدته ودينه معاً.

فإذن ننصح الأخت أن تترك ذلك وأن تواصل – كما ذكرنا – النصيحة والتذكير والدعوة والدعاء، وأن تدعو له بظهر الغيب دائماً بأن يصلحه الله وأن يهديه الله وأن تجتهد، ولتثق وتتأكد أنه لا يرد القضاء إلا الدعاء وأن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليها بالدعاء لزوجها خاصة في أوقات الإجابة أو التي يظن أنها أوقات إجابة، كأن تكون ما بين الأذان والإقامة في هذا التوقيت أو تكون في لحظة السجود أو بعد الصلوات المفروضة أو في جوف الليل إذا كانت تصلي بالليل أو غير ذلك فتجتهد في ذلك – إن شاء الله تعالى – ونسأل الله أن يصلحه لها وأن يجعله من الصالحين وأن يغفر لها اجتهادها، وأن يتوب عليها وأن يوفقهم لإحياء شرعه وإقامة دينه على أرضه.

أما بالنسبة للسؤال الثاني (أختك التي تبلغ من العمر ستة عشر عاماً وهي لا تصلي إلا إذا أمرها والدها فتصلي) عليك - بارك الله فيك– أولاً أن تجتهدي معها ويا ليت تسمعيها الشريط – كما ذكرت – (لماذا لا تصلي) للشيخ (محمد حسين يعقوب) لعل الله أن يشرح صدرها لذلك، أو تسمعيها بعض الأشرطة عن الجنة، يعني لا أريد أن تقولي لها إن تارك الصلاة كافر؛ لأن هذا الأمر بالنسبة لها سهل لأنها الآن تعيش في بيئة الكفر، ولكن نريد أن نرغبيها وأن نحرك عواطفها ومشاعرها تجاه دين الله تعالى، فتسمع هذا الشريط أو بعض الأشرطة المتعلقة بالجنة ونعيم الجنة والخيرات التي فيها لعل ذلك أن يحفزها – إن شاء الله تعالى- للمحافظة على الصلاة.

وأيضاً أنت تجتهدين في تذكير والدك بضرورة أمر أختك بالصلاة دائماً حتى لا يفوتها شيء من الصلاة، كونهم يقولون إنها تصلي لأبيك ولا تصلي لله، فهذا غير صحيح؛ لأنها أولاً هذه مسئولية الوالد، مسئولية ولي الأمر أن يعين أبناءه وأن يعين من تحت يده على طاعة الله، وهذا ما قاله تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال: (( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى )) [طه:132]، وأيضاً قال الله تبارك وتعالى عن سيدنا إسماعيل: (( وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ))[مريم:55]، فقيام والدك بهذا ضرورة شرعية ينبغي أن يقوم بها لأنها مسئوليته.

ونسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقك وأختك وأن يشرح صدرها وأن تعود إلى الصلاة وأن تحافظ عليها ابتغاء مرضاة الله، كما نسأله لك التوفيق والسداد، هذا وصلِّ اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً