الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إرشادات لشاب في كراهة أخواته زوجته لسمرتها وتحريض أمهن لأمره بطلاقها

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

فضيلة الشيخ! أنا عندي مشكلة، يمكن أن تكون مشكلة هذا العصر، أنا حديث عهد بالزواج من امرأة أنا اخترتها بعد أن سألت عنها وعرفت سمعة أهلها وإخوتها والحمد لله، وكل شيء كان إيجابياً، فتقدمت لخطبتها مع أهلي ووافق الجميع في بداية الأمر، ولكن بعد مضي أسبوعين فاجأني أخي، وقال لي: إن أخواتك البنات -وهن أكبر مني في العمر، ولهن أبناء- غير راضيات عن هذه الفتاة، والسبب غريب، قالوا إنها سمراء، وهم لا يريدونها، فقلت لهم أنا من سيتزوجها، وبارك الوالدان لي، ولكن أخواتي غير راضيات، وقد تم الزفاف بحمد الله، وبعد مضي 3 شهور حدث ما كنت أتوقعه، حدث تصادم بالكلام بين أختي وزوجتي، وكلاهما شتم الآخر، وكل واحدة منهن ذهبت في حال سبيلها، وبعد اجتماع مجلس الأسرة من البنات قررنا بأن أطلقها، ويضغطون علي بورقة أمي المريضة.

ولكن الوالد قال لي: إياك والظلم، أي: لا تظلم بنت الناس، فتقعد نادماً طوال عمرك، وطلب مني أن ألتزم بالبقاء في البيت، وأمسك زوجتي عند بيت أهلي.

أنا حائر جداً لا أريد أمي أن تتأثر بكلام البنات؛ لأن أمي هي كل شيء في حياتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عصام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك (استشارات الشبكة الإسلامية)، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يبارك فيك وأن يثبتك على الحق، وأن يبارك لك في زوجتك وأن يرزقك بر والديك، وأن يصرف عنك وعن زوجك أفكار واقتراحات الذين لا يقيمون لرغبتك وزناً ولا يقدرون مشاعرك ولا يرحبون بزوجتك بينهم، كما نسأله تبارك وتعالى أن يُصلح بينك وبين أخواتك وبين زوجتك وأخواتك وأمك، وأن يجعلكم جميعاً متحابين متآخين، إنه جواد كريم.

بخصوص ما ورد برسالتك - أخي الكريم عصام – فإن الأصل أن الرجل يتخيَّر المرأة المناسبة له شريطة أن تكون متوافرة فيها الشروط الشرعية التي قالها النبي صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك).

أما عن اللون والهيئة والطول والعرض فهذه رغبات للرجل، هو الذي يتخير الفتاة التي سيعيش معها وُفق رغباته، فما دامت - بارك الله فيك – فيها الشروط الشرعية فما سوى ذلك يخضع لرغبات الشخص؛ لأنه فعلاً -كما ذكرت- هو الذي سيعيش معها وحده وستكون زوجة له، وكم رأيتُ في الدنيا من عجب، رأيت رجلاً في غاية البياض وامرأة سوداء كأنها فعلاً من أدغال أفريقيا الداخلية، ورغم ذلك بينهما مودة وبينهما رحمة وبينهما احترام ويعاملها باحترام شديد ويغار عليها ويحافظ عليها ويُحبها ويُقدرها ويحترمها.

إذن ليست القضية قضية أذواق العالم، وإنما قضية رغبة وميل الشخص الذي سوف يتزوج، وهذا الحق هو حق لكل رجل، كما أنه حق لكل امرأة؛ ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام عندما (جاءه رجل فأخبره أنه خطب امرأة، قال: هل نظرت إليها؟ قال: لا. قال: فانظر إليها فلعله أحرى أن يؤدم بينكما)، أي: أن تدوم بينكما المودة والمحبة.
وأيضاً خطب رجل من المهاجرين امرأة من الأنصار، فقال صلى الله عليه وسلم: (انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً)، قال بعض المفسرين: أي حولاً، وهذا أمرٌ يجعل هذا من حق الرجل وحده، فمن حقي أن أتخير امرأتي بالمواصفات التي أحبها، رجلٌ يحب المرأة أن تكون طويلة، وآخر يريدها أن تكون قصيرة، وآخر يريد امرأة نحيفة، وآخر يريدها أن تكون بدينة.

هذه رغبتي أنا شخصياً، ما دامت قد توافرت فيها الشروط الشرعية فهذا من حقي أنا وحدي، حتى إنه ليس من حق الأب وليس من حق الأم وليس من حق الإخوة والأخوات؛ لأن هذا حقي، إلا أننا أحياناً نجامل الأسرة على أن نجعل الأمر شبه إجماع باعتبار أن المرأة ستعيش بينهم، ولا نريد أن تكون منبوذة وسطهم.

أما وقد تزوجتَ الأخت واقتنعت بها ورأيت فيها من الخير وأنها مناسبة لك فهذا حقك، وكون أخواتك لا يسترحن لها ولا يشعرن بالراحة معها أو الرغبة في الجلوس معها فهذا شأنهن، وأنا أؤيد موقف والدك تماماً فإنه رجلٌ منصف عادل، لأنك إن طلقتها الآن بناء على رغبتهن فقد ظلمتها لأنك لم تر منها سوءاً ولم تر منها ما تكره ولم تسمع منها ما تكره، ما دامت امرأة موافقة لهواك وتمشي وفق مرادك وكلامك، وامرأة فيها من الدين ما تستطيع به أن تقوم بواجباتها الشرعية، فليس من حق أحد أن يجبرك على طلاقها، خصوصاً أمك المريضة؛ لأن أخواتك قد يؤثرن عليها، ولكن رضا الناس غاية لا تدرك.

ما دام والدك قد نصحك فأنا أرى أن تعمل بنصيحة والدك، أما عن أمك فتحاول كسب قلبها ومحبتها، وتجتهد في حالة عدم وجود أخواتك في البيت أن تأخذ زوجتك إلى أمك وأن تقوم بخدمتها ورعايتها، وأن تتقرب منها وأن تتودد إليها، وأن تعطيها بعض الهدايا التي تُقدمها لأمك حتى تكسب رضاها ومحبتها وودها.

إذن اطمئن فأنت على خير، وكلام والدك هو الخير ولا تلق بالاً لآراء أخواتك لأن هذا حقيقة ليس من حقهنَّ، ولا من حق أي أحد آخر، وإنما هذا من حقك أنت وحدك، فما دمت مقتنعا بهذه الأخت فمن حقك أن تحتفظ بها ولا تتخلى عنها لرغبة الآخرين أو لآرائهم واقتراحاتهم.

أسأل الله أن يبارك لك في أبيك لأنه رجل عادل ومنصف عندما قال لك: إياك أن تطلقها لأن هذا ظلم؛ ولذلك قال فعلاً: إنك ستندم طول عمرك، وطلب منك أن تلتزم بالبقاء في بيتك وأن تُمسك زوجتك، فهذا كلام طيب، فإذا كنت تسكن وحدك وتقيم وحدك بعيداً عن الأسرة فكن مع زوجتك في بيتك، وإذا سنحت الفرصة للذهاب لأمك فخذ زوجتك معك إذا لم تكن إحدى أخواتك هناك، واجعلها تتعامل مع أمك مباشرة بلا حواجز بأن تقوم على خدمتها أو على تدليك بعض أعضاء جسدها مثلاً، وعلى تقبيل رأسها وتقبيل يدها، أن تقدم لها بعض الهدايا؛ لأن والدتك قد تتأثر نوعاً ما بكلام أخواتك، ولكن لها عقلها ولها رغبتها، وأمك في جميع الأحوال تحب سعادتك وتتمنى رضاك، وما دامت تعلم بأنك سعيد مع زوجتك فثق وتأكد بأنها ستكون سعيدة بسعادتك، ولكنها قد تُجامل أخواتك في الظاهر إلا أنها في الحقيقة تحب لك الخير وتحب لك السعادة، فما دمت سعيداً - بارك الله فيك أخي عصام – ومستريحاً مع زوجتك هذه فلا تفارقها ولا تطلقها ولا تُسمعها ما تكره، بل ولا تنقل إليها أقوال أخواتك فيها.

اجعلها بعيدة عن هذه المشاكل كلها حتى لا تفسد العلاقة بينك وبينها، وحتى لا تملأ قلبها كراهية على أخواتك وحقداً وحسداً عليهنَّ، وإنما حتى إذا سمعت ما سمعت ادخل إلى بيتك، وعندما تسألك فقل: الجميع بخير، والناس يسلمون عليك، وهذا كلام عام، كلمة (الناس) تشمل أباك وتشمل أكثر من واحد، المهم: هذا من باب التعريض وهو جائز من باب الإصلاح كما تعلم، فيجوز للرجل أن يكذب للإصلاح، وهذا ليس كذباً، وإنما هذا يسمى تعريضاً، الناس يسلمون عليك ويتمنون لك الخير، وبذلك تقصد والدك، وكأنك تقول لها: إن هذا رأي الجميع.

أمسك امرأتك – بارك الله لك فيها – ما دمت لم تر منها ما تكره، فتوكل على الله، وأسأل الله عز وجل أن يصلحها لك، وأن يزيدها صلاحاً وطاعة واستقامة على منهج الله تعالى، كما أتمنى أن تتوجه إليه بالدعاء أن يُصلح ما بين زوجتك وما بين أخواتك، وأن يصلح ما بينها وبين أمك، حتى تعود المياه إلى مجاريها وتنعموا جميعاً بنعمة المحبة والمودة والسعادة والأخوة.

ادع الله لكم، فقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن وهو على كل شيء قدير، فادع الله - أخي عصام - وألح عليه بالإصلاح والصلاح والمحبة والوئام، وأبشر بفرج من الله قريب.

والله ولي التوفيق.


مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات