الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تعلق صديقي الشديد بي وغيرته علي، وكيفية التخلص منه؟

السؤال

لي صديق كان ولا زال يحبني إلى حد الجنون، والآن تزوج، ولكنه أحبني أكثر من زوجته، ولا يريد أن يكلم زوجته، يريدني أنا وحدي، ولا يريدني أتحدث مع أحد غيره، يريد أن يتملكني، يكره أصدقائي، ولا يريد أن أكوِّن علاقات مع أحد، تهددني أكثر من مرة بأن يدمر حياة من أتكلم وأضحك معه، يشترط علي أن تكون ضحكتي معه فقط، وهو مستعد أن ينفذ لي أي طلب يخطر على بالي، فكيف أتخلص منه بطريقة ودية دون أن يطلق زوجته؟

أفيدوني أنا في حيرة من أمري.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو سهم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يحفظك من كل مكروه وسوء، وأن يجنبك كيد شياطين الإنس والجن، وأن يثبتك على الحق، وأن يجعل أخوة هذا الرجل لك أخوة إسلامية بعيدة عن الشبهات والشهوات، إنه جواد كريم.

بخصوص ما ورد برسالتك فنحن نعلم أن الله -تبارك وتعالى- أخبرنا أن الأخلاء بعضهم يوم القيامة لبعض عدوٌ إلا المتقين، فأي علاقة تقوم على الإيمان والتقوى وطاعة الله تعالى فهي الدائمة الباقية؛ ولذلك نبيك -صلى الله عليه وسلم- أوصاك بقوله: (لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي) أخرجه الترمذي في سننه، وقال أيضاً -صلى الله عليه وسلم-: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) أخرجه أبو داود في سننه، وقال أيضاً: (إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً منتنة) متفق عليه.

هذا كله يدل على خطورة الصداقة -بارك الله فيك- فإن الصاحب ساحب، فإذا كان صالحاً فإنه سيصحبك معه إلى الصلاح والديانة، وإذا كان الرجل صاحب دنيا فإنه سيصحبك معه إلى دنياه، وإذا كان صاحب شهوة فإنه سيصحبك معه إلى شهواته، وإذا كان صاحب بدعة فإنه سيصحبك معه إلى بدعته، فالمرء على دين خليله، والصاحب ساحب، هكذا يُخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وواقع التجارب يؤيد ذلك.

ولذلك هذه الصداقة التي بينك وبين صاحبك قطعاً هي صداقة وصلت إلى درجة تُعرف بدرجة العشق، وأعتبر أن هذه الصداقة أو أن صاحبك به نوع من الشذوذ الجنسي؛ لأن مثل هذا التعلق لا يكون إلا ما بين الرجل والمرأة -بين الذكر والأنثى- أما إذا فسدت الفطرة وكان يعاني بعض الناس من بعض الأمراض النفسية فإن هذا التعلق ينصرف إلى نفس الجنس، وهذا ما يُعرف الآن بالمثلية، ومعنى المثلية أن يستريح الرجل مع رجل مثله، وأن تستريح المرأة مع امرأة مثلها؛ ولذلك الآن تعلم أن أوروبا تضجُّ بهذه الأنواع الشاذة المنحرفة من العلاقات، ويُعرفون هناك بالشواذ من الرجال والشواذ من النساء، الشواذ من الرجال الذي يكتفي الرجال بالرجال عن النساء، وهؤلاء كقوم لوط وإن لم يفعلوا أفعالهم، والشواذ من النساء الذين يكتفون بالنساء عن النساء وهؤلاء يسمَّوْن بالسحاقيات وغير ذلك.

وقد يكون نوع من الإعجاب؛ لأن هذه الصداقة -بارك الله فيك- قد تكون مجرد تعلق قلبي فهي مرض نفسي وإن صحبها شيء من الاحتكاك الجسدي فهي تعتبر في هذه الحالة نوعا من الشذوذ القوي؛ لأنك ذكرت هذا الذي يعرف بالمثلية، ولعلك سمعت أو قرأت منذ سنوات أن وزيراً من وزراء الدول الإسكندنافية تزوج صديقه -هذا الذي يعرف بالمثلية- وعقدت له الكنيسة هذا العقد وبُورك له من قبل هؤلاء القائمين على الدين هناك.

إذن هذا التعلق هو كما ذكرت لك ما هو إلا نوع من أنواع الشذوذ الجنسي؛ ولذلك أقول: هذا الذي تزوج الأصل فيه إن كان طبيعياً أن يكتفي بزوجته عنك وعن غيرك، أما الآن وهو مازال متعلقاً بك ولا يكلم زوجته ويكلمك فأنا أنصح أن يعرض نفسه على أخصائي نفساني؛ لأن صاحبك مريض وليس بسليم، وهذه العلاقة ليست علاقة طبيعية حتى وإن لم يحدث فيها ما يغضب الله تعالى، ولكن تعلقه بك إلى هذه الدرجة وحرصه على امتلاكك والاستحواذ عليك يدل على أنه ليس بسليم نفسياً، وإنما هو مريض مرضاً نفسياً يحتاج إلى علاج حتى تكون العواطف في وضعها الطبيعي، فعاطفة الرجل تجاه المرأة تختلف عن عاطفتة تجاه الرجل، تعلق الرجل بامرأته تختلف عن تعلق الرجل بصديقه، أما الملاحظ هنا من خلال رسالتك كأن يريد أن يتخذك زوجاً له، والدليل على ذلك أنه فضلك على زوجته، ويكلمك ولا يكلمها، وهذا كله يدل على أنه ليس بطبيعي.

ولذلك أرى أنه من الواجب عليك أن تنصحه بأن تتوجه معاً إلى أخصائي نفساني، إذا قلت له أنك مريض قد لا يقبل منك هذا الكلام ولكن قل له أنا مريض وأحتاج إلى أن أراجع أخصائي نفساني، واعتبر الأمر فيك أنت وقل له تعال معي واذهب معه، وتكون فهمت الطبيب قبلها، وتفاهمت معه وعرضت له الموضوع حتى يكون مهيئاً لاستقبالكما، ويبدأ يثير الموضوع ومن خلالها -إن شاء الله تعالى- قد تُحل هذه المشكلة ويعطى من الأدوية ما يجعل الوضع طبيعياً بالنسبة له، سواء كانت عبارة عن تعليمات وإرشادات سلوكية أو كانت عبارة عن عقاقير وأدوية طبية.

صاحبك شاذ جنسياً ليس طبيعياً، هو مريض نفسياً ولذلك مساعدته في أن يتخلص من هذه العلة حتى يكون طبيعياً، لا مانع من وجود صداقة وصداقة حميمة قوية، ولكن ليست من هذا النوع؛ لأن هذا النوع إنما هو انحراف في الفترة واعوجاج في السلوك يحتاج إلى علاج حتى تعود المياه إلى مجاريها وتُوضع العواطف في نصابها الطبيعي الذي جبل الله الناس عليه وتعارف عليه العباد منذ الأزل.

أسأل الله -تبارك وتعالى- أن يوفقك في هذه الخطوة وأن تتحايل عليه حتى تذهب به إلى تطبيب نفسي، وكما ذكرت لك هذه الحيلة حيلة معقولة؛ لأنه سيعرف أنه ليس مقصوداً بالذهاب إلى الطبيب، ولكن تكون أنت قد رتبت مع الطبيب كل شيء، ثم تذهب إليه وهنا تبدأ مرحلة العلاج وتُصر عليه، وقل له: إذا كنت تحبني حقاً فلابد أن تعالج لأني أريد لك الخير، ولعل الله أن يجعل صلاحه وشفاءه على يدك فتأتي هذه حسنة من حسناتك، وتعينه بذلك على طاعة الله وعلى استقراره أسرياً ونفسياً واجتماعياً.

وحاول أن تتباعد عنه ما أمكنك إلا لضرورة الذهاب إلى الطبيب النفسي أو أحد الأخصائيين الاجتماعيين، ونحوه مما ترى فيه مصلحة في علاجه، ما عدا ذلك فحاول أن تقلل تعلقه بك بكثرة الغياب عن ناظره لأن ما غاب عن البصر غاب عن القلب.

أسأل الله أن يوفقك في مهمتك، وأن يحفظك من كل مكروه وسوء، وأن يحفظ عرضك من أن تدنس بتلك العلاقة، وأن يجعلكما أخوين صديقين في الله حتى تُحشرا يوم القيامة على منابر من نور يوم القيامة.

والله ولي التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً