الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحنث في اليمين المتعلق بعدم الخضوع للوساوس عند الطهارة والصلاة.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة فلسطينية أعاني من وسواس في الصلاة، وعند الوضوء حيث أصابني هذا الوسواس منذ حوالي ثلاث سنين وأكثر -والله أعلم-.

فقد كنت قبل ذلك أعيش حياتي بشكل طبيعي جداً وأصلي، وأحاول أن أحافظ على الصلاة في وقتها، إلى أن دخل الوسواس حياتي فدمرني نفسياً وذهنياً فأصبحت -والعياذ بالله- كأنني أسيرة هذا الوسواس، وأسيرة الحزن والتوتر الدائمين، فكنت متوترة وحزينة من دون سبب، ولكنني أتوقع بأن تفكيري بالوسواس وبما أصابني هو سبب حزني وتوتري الدائمين وهو ما يعكر صفو حياتي حتى هذه اللحظة.

ولكنني عند بداية إصابتي بالوسواس كنت أخاف كثيراً عند سماع الأذان؛ أخاف من قيامي للوضوء وللصلاة؛ لأنه عند قيامي للصلاة مثلاً كنت أقف طويلاً حتى أستجمع قواي وأقيم الصلاة وأكبّر لأبدأها، وكنت للأسف كثيراً ما أقطعها لأعيدها، وحتى لدرجة الخوف كنت أخاف من سماع السيارات التي تمر بجانب المنزل أو حتى من الطائرات ولا أستطيع التكبير للصلاة إلا عندما تبتعد السيارات كثيراً وتختفي معظم الأصوات من حولي، وطبعاً هذا يستغرق وقتاً طويلاً.

ولكن -ولله الحمد- قد حاولت جاهدة أن أتغلب على هذا الوسواس سواء عند الوضوء أو الصلاة إلا أنني وجدت نفسي في وضع آخر وهو أنني لا أستطيع أحياناً أن أُقيم الصلاة جيداً إلا إذا حلفت بالله العظيم أنني إن أقمت الصلاة وقلت التكبير فلن أعيدها (لن أعيد الإقامة ولا التكبير أو الصلاة)، ولكني وللأسف الشديد عندما أكبر وأبدأ الصلاة أجد نفسي عند أصغر وسوسة أقطع الصلاة وأستغفر الله، وأصبح كأنني متوترة نوعاً ما وأعيد الكرة إما بالحلف أو تكرار التكبير إلى أن أستجمع قواي وتفكيري، وأحاول أن أكون خاشعة في صلاتي فأبدؤها، ولكنني حتى هذه اللحظة لم ولن أيأس من رحمة الله، -فالحمد لله- كثيراً على كل حال وكلي أمل بأنني -إن شاء الله- سأتغلب على هذه الوساوس.

ولكن السؤال الذي يسيطر على كل أفكاري هو: هل لأنني حلفت بالله أنني عند أي صلاة لن أعيد التكبير أو الإقامة أو حتى الصلاة نفسها ثم نقضت (حنثت) اليمين علي كفارة يمين أم لا؟ علماً بأنني لا أعرف كم مرة فعلتها، ولكنني حالياً تبت إلى الله -عز وجل- من أن أعود لفعل هذا مرة أخرى، وأجاهد نفسي بكل قوة ألا أعود.

وأيضاً ماذا أفعل لطرد الوسواس من حياتي، طرده عند الصلاة وعند الوضوء؟

اعذروني إن أطلت عليكم برسالتي ولكن أرجوكم أفيدوني أفادكم الله وثبتكم وثبتنا على طريق الهداية بإذنه تعالى، ولا تنسوني من صالح دعائكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فلسطين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فبارك الله فيك وجزاك الله خيراً على تواصلك مع الشبكة الإسلامية، وكل عام نحن وأنتم والجميع بخير، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال وجعلنا وإياكم من عتقائه من النار ومن المقبولين.

الذي تعانين منه هو وساوس قهرية، والوساوس القهرية في الأصل هي نوع من القلق النفسي، وهي تكون أيضاً مصحوبة باكتئاب نفسي في حوالي ستين بالمائة من الحالات.

إذن الاكتئاب وحالة الحزن التي تحسين بها هي ثانوية وليست إصابة باكتئاب من النوع الأولي أو النوع الأساسي.

والوساوس المتعلقة بالعقيدة كثيرة جدّاً ومنتشرة جدّاً، ويعرف أن الوسواس القهري يأتي للناس في عقائدهم كثيراً، وهذا ربما يكون فيه شيء من وسوسة الشيطان -نعوذ بالله منه- وفي ذات الوقت الدراسات التي أجريت على عينات من الأشخاص الذين يعانون من الوساوس المتعلقة بالعقيدة لوحظ أنهم أشخاص حساسون وملتزمون ومن ذوي الخلق والقيم الإنسانية العالية جدّاً، هذه ملاحظات لوحظت حول الذين يصابون بهذه الوساوس.

والوساوس القهرية حقيقة تأتي في نوبات وقد تزيد وقد تختفي، وهنالك بعض الروابط التي قد تثير الوساوس، فالبعض تأتيه هذه الوساوس في مواسم العبادات الخاصة مثل شهر رمضان وأيام الحج -وهكذا- وبعض النساء تشتد لديهنَّ الوساوس وبعضهنَّ تشتد لديهنَّ الوساوس قبل الدورة الشهرية.

إذن هنالك بعض الروابط التي نستطيع أن نقول إنها مثيرات للوساوس، ومن أكبر المثيرات للوساوس هو الانشغال بالوساوس نفسه لأن ذلك يؤدي إلى مزيد من القلق ومن التوتر.

في حالتك بالنسبة للحلف وحنث اليمين وأنك قد اتخذت قولك لن أعيد الإقامة ولا التكبير وسيلة للحد من الوساوس ومنعها، فإن هذا نسميه بالحيل النفسية التي يلجأ لها بعض الناس للتخلص من الوساوس، وهذه الطرق كثيراً ما تكون فعالة في منع الوساوس.

بالنسبة للموقف الشرعي من الحلف وما وصفته بحنث اليمين -فإن شاء الله تعالى- سوف يقوم الشيخ موافي عزب -حفظه الله تعالى ورعاه- بإفادتك في هذا المجال، ومن ناحيتي وحسب معرفتي المتواضعة أفادني الكثير من المشايخ أن صاحب الوساوس -إن شاء الله تعالى- لا حرج عليه، لأنها أفكار متسلطة عليه ويصعب عليه ردها والتخلص منها في بعض الأحيان.

هذه في نظري بشارة كبرى وسوف يقوم الشيخ موافي -إن شاء الله تعالى- بإفادتك إفادة كاملة في هذا السياق.

الذي أرجوه منك هو أن تعرفي أن من أفضل طرق علاج الوساوس هي مقاومتها وتحقير الفكرة وعدم اتباعها، وأن يحاول الإنسان إدخال أفكار وأفعال جديدة مخالفة لوساوسه، هذا بالطبع يقلل من مساحته على الشيطان ولا يدع له مجالاً للاتساع والسيطرة على تفكير الإنسان المسلم المؤمن المتوكل على ربه والمستعين به.

الوساوس ربما تكون أيضاً هي دليل على خيرية هذه الأمة ودليل على قوة إيمان الناس واهتمامهم بدينهم، وهذا بالطبع لا يسر الشيطان ولا يعجبه مطلقاً مما يجعله يدخل ويتداخل مع أمور أخرى ربما تكون تغيرات بيولوجية تحدث في الدماغ وتؤدي إلى تثبيت هذه الأفكار الوسواسية خاصة بالنسبة للأشخاص الذين لديهم القابلية والاستعداد لهذه الوساوس.

فأرجو إذن أن تفهمي أن الوساوس التي تصيبك ليست دليلا على ضعف شخصيتك أو على قلة إيمانك، بل ربما يكون العكس صحيحاً، ونسأل الله أن تكون هي دليلا على صميم وقوة إيمانك -بإذن الله تعالى-.

كما ذكرت لك طرق العلاج وهي معلومة بالنسبة لك هي مقاومة الوساوس وتحقيرها وعدم اتباعها.

وبالنسبة للوضوء وجد أنه من أفضل الطرق هو أن يحدد الإنسان كمية الماء الذي يتوضأ به، فلا تتوضئي من الماسورة أو الحنفية، أو السنبور مباشرة، خذي ماء في إناء وحددي كمية هذا الماء وبعد ذلك توضئي، وإذا كان هنالك إسراف أيضاً في الوقت أو أنك تستغرقين وقتاً طويلاً في الوضوء فأرجو أيضاً أن تحددي الوقت المعقول الذي يستطيع الإنسان العادي أن يقضي فيه وضوءه.

وبالنسبة للصلاة يحاول الإنسان أن يبني على اليقين، ومن الأشياء التي تساعد كثيراً بالنسبة للوساوس هو أن يصلي الإنسان في جماعة، فإن هذا وجد أنه مفيد جدّاً، وحتى بعض النوافل والسنن إذا صُليت في جماعة هذا وجد أنه يقلل من هذه الوساوس ويقضي عليها، فيمكنك الاستعانة بأهل بيتك في هذا المجال.

الذي أرجوه هو عند بداية الصلاة هو الإصرار وأن تتذكري دائماً أنك -إن شاء الله تعالى- أحد ملايين المسلمين الذين يصلون ويكبرون ويؤدون صلاتهم دون أي صعوبة، كما أني أنصحك بأخذ نفس عميق قبل تكبيرة الإحرام، فحاولي أن تأخذي نفساً فإن هذا وجد أيضاً أنه يولد راحة نفسية، وعليك ألا تعيدي الصلاة وقد أفتى بذلك العلماء الأفاضل، وسوف يفيدك الشيخ موافي أيضاً في هذه الناحية.

البعض ننصحهم بأن يقوموا بتصوير أنفسهم بالفيديو أثناء الصلاة وذلك حتى تطمئن قلوبهم؛ لأن الدراسات أشارت أن مرضى الوساوس يحدث لهم نوع من المبالغة في تحليلهم وتقبلهم لأفعالهم وتصرفاتهم، والكثير من الذين أدوا صلاتهم وتم تصويرهم وعرض عليهم صور الفيديو بعد ذلك لاحظوا أن أداءهم في الصلاة كان أداءً جيداً، هذه أيضاً واحدة من الوسائل التي ذُكرت والتي أثبتت فعاليتها.

يأتي بعد ذلك العلاج الدوائي، وبفضل الله تعالى توجد أدوية ممتازة وفعالة وتحد من هذه الوساوس تبعث -إن شاء الله تعالى- على الطمأنينة وعلى الاسترخاء، وتزيل الاكتئاب المصاحب لهذه الوساوس، فهنالك عدة أدوية والدواء الذي أراه جيداً وفعالا هو العقار الذي يعرف تجارياً باسم (بروزاك Prozac) ويسمى تجارياً (فلوكستين Fluoxetine)، فأرجو أن تبدئي في تناوله بجرعة كبسولة واحدة يومياً بعد الأكل لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك ترفعين الجرعة إلى كبسولتين في اليوم لمدة ستة أشهر، ثم تخفضينها إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر أخرى.

إذن هذا هو التقسيم الدوائي أو الطريقة التي يتناول بها الإنسان الدواء بصورة صحيحة، فهنالك جرعة البداية، وهنالك جرعة العلاج، وبعد ذلك تأتي الجرعة الوقائية، بعض الناس ربما يحتاج لثلاث كبسولات من البروزاك -أي ستين مليجراما- علماً بأن الجرعة القصوى هي ثمانون مليجراما -أربع كبسولات- في اليوم، ولكن أعتقد أن كبسولتين سوف تكون مفيدة لك جدّاً، وأنا على ثقة كاملة -بإذن الله تعالى- أنه بعد شهر من بداية العلاج والإصرار على تطبيق الإرشادات السلوكية السابقة البسيطة وقبول التفسير الذي أعطيناه لك لهذه الظاهرة وكذلك ما سوف يفيدك به الشيخ موافي -حفظه الله- أرى -إن شاء الله تعالى- أن مستوى الوساوس سوف يقل جدّاً، وهذا في حد ذاته سوف يشكل حافزاً قوياً بالنسبة لك للتخلص الكامل من هذه الوساوس.

أود أن أضيف وأطمئنك تماماً عن الدواء، فهو من الأدوية السليمة جدّاً وقليلة الآثار الجانبية، وهو فعال في ذات الوقت.

أسأل الله لك الشفاء والعافية، وجزاك الله خيراً، وتقبل الله طاعتكم.

انتهت إجابة الدكتور محمد عبد العليم الطبيب النفسي تليها إجابة الشيخ موافي عزب المستشار الشرعي.

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يثبتك على الحق، وأن يصرف عنك كيد شياطين الإنس والجن، وأن يعافيك من هذه الوساوس كلها، وأن يجعلك من صالح المؤمنين، وأن يمنَّ عليك بزوج صالح يكون عوناً لك على طاعته ورضاه، إنه جواد كريم.

بخصوص ما ورد برسالتك -أختي الكريمة الفاضلة- فإني أحب أن أبشرك بأن ضغط الشيطان عليك لهذه الدرجة وتلك الوساوس من علامات الإيمان؛ لأن العبد إذا كان قوي الإيمان اشتد بلاؤه، وهي كذلك من علامات محبة الله تبارك وتعالى لك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أحب الله عبداً ابتلاه، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فعليه السخط)، وكذلك أيضاً قال -صلوات ربي وسلامه عليه-: (يُبتلى المرء على قدر دينه، فمن قوي إيمانه اشتد بلاؤه).

فهذه الابتلاءات كلها إنما هي من فضل الله تعالى دلالة على أن الله -عز وجل- يحبك وأنك على قدر من الإيمان، ولذلك اشتد عليك هذا البلاء، -وبإذن الله تعالى- عما قريب سينفرج بإذنه -سبحانه وتعالى-.

واعلمي -أختي الكريمة الفاضلة- أنك لست وحدك التي تعانين من هذه الوساوس، بل إن هذه الوساوس لا تأتي إلا لأصحاب الضمائر الحية والحرص على مرضاة الله -سبحانه وتعالى-، أصحاب الضمائر الميتة لا يصابون بهذه الوساوس مطلقاً، وأصحاب القلوب الميتة لا يعرف الشيطان سبيلاً إلى قلوبهم لأن قلوبهم قد ماتت وانتهت ودفنت.

أما الذين لديهم الضمير الحي وأصحاب القلوب المستيقظة المحبة لله ورسوله، الحريصة على تنفيذ شرعه هي التي يحرص الشيطان -لعنه الله- على أن يصوب إليها سهامه وأن يشنَّ الحرب عليها؛ لأن الشيطان عندما عجز عن منعك من الوضوء وعن منعك من الصلاة وعن منعك من الطاعة في واقع الحياة انتقل من المعركة الداخلية، فحول المعركة من الجوارح إلى القلب، وبدأ يجتهد في إفساد القلب والسيطرة عليه وإلقاء تلك الوساوس والشبهات حتى يحول بينك وبين الصلاة.

الشيطان جبان، ولكنه لا يستسلم، فهو عندما حاول معك أن يمنعك عملياً من أداء الوضوء والصلاة انتقل بك إلى القلب حتى يفسد عليك الصلاة نفسها، والنبي عليه الصلاة والسلام أخبرنا أن للوضوء شيطانا يسمى (الولهان) وأن للصلاة شيطانا يسمى (خنزب)، هذان الشيطانان أخذا دورات كثيرة؛ لأنهما أكبر من الإنسان قطعاً، أكبر منك وأطول عمراً وأكثر خبرة، ولذلك كلما أراد الإنسان أن يصلي كثفَّ - الشيطان (خنزب) - الجهد عليه، وكلما أراد الإنسان أن يتوضأ كثف – الشيطان (الولهان) – الجهد عليه.

هذا الشيطان متخصص في إفساد وضوء المتوضئين، والثاني متخصص في إفساد صلاة المصلين، ولكن من رحمة الله تعالى أن الله لا يضيع أهله، وأن الله -تبارك وتعالى- جعل لنا وسائل كثيرة ندفع بها الشيطان الرجيم عن أنفسنا؛ لأن الله لن يكلنا إلى الشيطان ليلعب بنا أصلاً، (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)، [البقرة:257]. إذن -الله سبحانه وتعالى- وليِّك يتولاك ويرعاك، ولذلك أحببت فقط أن أبشرك بأن هذا كله علامات خير، وأبشرك بشرى أخرى بأنها -إن شاء الله تعالى- في طريقها للنهاية.

توجد علامة محبة الله تعالى لك وهي علامة قوة الإيمان، وهي -بإذن الله تعالى- أجر وثواب؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أخبرنا بقوله: (ما يصيب المسلم من هم ولا غم ولا أذى ولا حزن ولا مرض حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإصابته ضراء صبر فكان خيراً له).

فهذه المقاومة -وهذه المعاناة الشديدة من الوساوس- كلها مأجورة -بإذن الله تعالى- فلك أجر مضاعف بصبرك ومقاومتك وحرصك على المحافظة على دينك رغم هذه الحرب الشعواء التي يشنها الشيطان عليك وعلى قلبك.

ولكن العلاج -بارك الله فيك- فكما ذكر أخِي الدكتور محمد عبد العليم -حفظه الله تعالى- في الاستشارة الطبية بأن هذا الأمر أولاً في طريقه للزوال، له علاج سلوكي وله علاج دوائي، والعلاج الدوائي أنا أتمنى فعلاً أن تبدئي به وألا تقصري فيه؛ لأنه -بإذن الله تعالى-ثبت أنه فعّال وأنه فعلاً يقضي على هذه الوساوس -بإذن الله تعالى- قضاء تاماً، أو على الأقل يجعلها في أضيق حدودها.

أما العلاج السلوكي هذا إن لم يكن متيسراً العلاج الدوائي أو إذا بدأت به أولاً -وهذا ممكن لكل إنسان- فيبدأ أولاً بأن تُكثري من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، لأنك عندما تقولين: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) معناه: أي أعتصم بالله وألوذ بالله وألجأ إلى الله وأحتمي بالله من الشيطان الرجيم، ولذلك لن يدعك الله تبارك وتعالى للشيطان.

ثانياً: إذا جاءك الشيطان أو هذه الوساوس وأنت في الصلاة فاستعيذي بالله -عز وجل- وقولي: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) واتفلي عن يسارك ثلاثاً، والتفل هو عبارة عن شيء من الهواء مع شيء من الريق الخفيف على يسارك في جهة اليسار (تف، تف، تف) هكذا، -وبإذنِ الله تعالى- هذا من الأمور التي يدفع الله بها عنك كيد الشيطان؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام شكاً له بعض أصحابه مثل حالتك، فقال: (ذاك شيطان يسمى خنزب)، فلو أتاك في الصلاة فافعل هذه الأشياء: استعذ بالله وقل: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، وطبعاً هذا الكلام سواء كنت تقرئين السورة أو تقرئين الفاتحة أو جاءك حتى في الركوع أو في السجود -في أي ركن من الأركان- عندما تشعرين بأن الشيطان جاءك اقطعي الكلام الذي تقولينه وقولي: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) واتفلي عن يسارك، ومعنى يسارك ليس يسارك بالكامل، وإنما انحني قليلاً بوجهك إلى جهة اليسار وافعلي ذلك فإنه ينصرف -بإذن الله تعالى-.

ثالثاً: الأمر الذي تفعلينه هو المقاومة، فكونك أنت تقاومين -بارك الله فيك- ولا تستسلمي فإن هذا عامل مهم جدّاً، والمقاومة عكس مراد الشيطان، ولذلك أتمنى لو أنك توضأت مرة لا تعيدي الوضوء مرة أخرى، والدكتور محمد عبد العليم قال لك: اجعلي قدرا من الماء للوضوء بها فهذا شيء رائع، على اعتبار أنه لو نفذ فهنا انتهى الوضوء، ولكن أيضاً حتى مع هذا احرصي -بارك الله فيك- إذا غسلت عضوا ووجدت نفسك الآن في غسل القدمين وجاء لك الشيطان أنت لم تغسلي وجهك لا ترجعي مطلقاً، فالذي غسلته لا ترجعي إليه أبداً، خاصة بعد نهاية الوضوء لا ترجعي للحمام مطلقاً، وبعد ذلك خذي وقتاً واجعلي أمك أو أختك أو أحد أقاربك أو أحد إخوانك يقف معك على باب الوضوء وأنت تتوضئين، وبذلك يمكن أن ينبهك أول بأول: أنت الآن غسلت يديك إذن اغسلي وجهك، غسلت وجهك الآن فاغسلي ذراعيك، الآن امسحي رأسك -بسرعة- ومرة بعد مرة سوف تُعانين -بإذن الله تعالى-.

كذلك في الصلاة، إما إنك تستعينين بالتصوير -كما ذكر الدكتور حفظه الله- أو بأحد موجود معك، إذا لم يتسن لك الصلاة في جماعة أيضاً أحد يراقبك ويتابعك، بشرط أن تحاولي أن تتقوي على الشيطان وتجتهدي عليه.

رابعاً: احرصي -بارك الله فيك- على أذكار الصباح والمساء؛ لأن أذكار الصباح والمساء مهمة جدّاً خاصة قولك: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) مائة مرة صباحاً ومائة مرة مساءً.

خامساً: اجتهدي على أن تكوني على وضوء قدر استطاعتك حتى وإن كان الوضوء لغير الصلاة؛ لأن الوضوء سلاح في وجه الشيطان -أعاذنا الله منه-.

سادساً: مع هذه الأشياء أتمنى أن ترقي نفسك بالرقية الشرعية، والرقية الشرعية موجودة عندكم في كتيبات وفي أشرطة، آيات معروفة في القرآن الكريم وأحاديث معروفة في سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- من الممكن أن يقوم الوالد برقيتك أو أن تقوم الوالدة أو أحد إخوانك أو أحد أخواتك أو مثلاً استعيني بأحد يقوم بعمل الرقية الشرعية، لاحتمال أن يكون هذا مس من الشيطان، فإذن الله تعالى بالرقية الشرعية يتم القضاء عليه.

أما فيما يتعلق -بارك الله فيك- بالحلف والأيمان، فإن شاء الله لا شيء عليك -بإذن الله تعالى- لأن هذا الحلف جاء نتيجة هذه الحالة، ولا تشغلي بالك لا بالكفَّارات ولا بغيرها، ولكن -الحمد لله- أنك أصبحت لا تقسمين ولا تحلفين فهذا شيء رائع، فلا تحلفي بالله لا صدقاً ولا كذباً، وعليك أيضاً بالسلاح المهم جدّاً والأخير وهو الدعاء، فالدعاء -بارك الله فيك- النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا يرد القضاء إلا الدعاء)، فاجتهدي في الدعاء أن يعافيك الله تعالى، واجتهدي أن ينصرك الله على الشيطان الرجيم، وأنا واثق بهذه الأشياء -مع ما ذكره أخِي الدكتور محمد عبد العليم في استشارته النفسية الطبية- ستكونين من أروع ما يمكن وستتخلصين في أقصر مدة من الزمن من هذه الوساوس، وستكونين -إن شاء الله تعالى- من صالح المؤمنين، ومن الداعيات الموفقات.

أسأل الله أن يحرر أرضنا وأرضكم، وأن يُذهب عنكم كيد عدوكم، وأن يوفقكم وأن تُقَر أعيننا جميعاً بصلاة في المسجد الأقصى المبارك في جماعة معاً -بإذن الله تعالى-.

وبالنسبة للعلاج السلوكي للوساوس فيرجى الاطلاع على هذه الاستشارات: (262448 - 262925 - 262925 - 261359 - 262267).

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً