الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أستعيد ثقتي بنفسي وقد تحطمت شخصيتي بسبب القسوة التي تعرضت لها في طفولتي

السؤال

لقد عشت طفولة معذبة، حيث كان أبي قاسي القلب ويضربني دائماً، وأمي كانت قاسية علي لتدنّي مستواي الدراسي، وكان لي أخت تكبرني سناً وكانت مدللة ومن الأوائل في صفها، وعندما كانت تدلل كنت أنظر إليها وعلى وجهي ابتسامة غاضبة، حتى وصلت إلى الصف السابع فمللت من الحياة وحبست نفسي في غرفتي، وصرت أستمع الأغاني الحزينة ولا أحب إلا اللون الأسود، وأرى كل يوم الأبراج لعل لي يوماً جميلاً، وقد عانيت كثيراً بسبب ذلك، وكنت إذا خرجت من غرفتي أخاف من أبي.

عندما أصبحت في البكالوريا كان لا يوجد أمامي حل إلا الموت بعد أن فرغ صبري وعشت حياتي كالجحيم، وصرت أتمنى الموت بعد أن رسبت في المدرسة كثيراً، وقد مللت من الخوف الذي بداخلي، بحيث لا يمكنني أن أتكلم مع أي أحد فأتلعثم في الكلام، ولكني التزمت وأصبحت أصلي -ولله الحمد- وطلبت من ربي أن يساعدني، وقرأت ختمة قرآن بهذه النية، ولكن لا زال بقلبي خوف يقتلني من أبي أو من أساتذتي.
فساعدوني وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نسمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنك قد نظرت إلى أمور الحياة من ناحية واحدة، وقد جعلت الفكر السلبي يسيطر عليك وتحولت كل طاقاتك النفسية إلى طاقات سلبية، ولذلك فنحن نطالبك بتصحيح المفاهيم، وتصحيح المفاهيم يتطلب إعادة تقييم الذات، وهو أن تتأملي مرة أخرى في حياتك وفي وضعك، وسوف تخففي من هذه الأحكام القاسية على نفسك، فأعتقد أنك تحيزت كثيراً ضد نفسك.

وأما تمني الموت فهذا لن يحل المشكلة، فالحياة لابد من وجود صعوبات وعثرات فيها، والحياة تتطلب القوة والمجاهدة والصبر، والإنسان يمكن أن يغير نفسه، والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير، فأريدك أن تغيري من مفاهيمك عن طفولتك.

قد تكونين تعجلت في الحكم على أن طفولتك كانت معذبة، فالطفل لا يستوعب الطفولة كاملة، ونعرف الكثيرين من الآباء قد يكون لهم منهج تربوي فيه شيء من الشدة وكذلك الأمهات، وقد ذكرت أن أمك كانت قاسية عليك، لأنها تريد أن تتفوقي في الدراسة، فهذا ضرب مشروع وشدة مشروعة، وليس ما تسمينه بالقسوة، فأمك كانت تحثك أكثر، لأنها تريد أن تكون فخورة بك وتود أن تسلحك بسلاح قوي في المستقبل وهو سلاح العلم.

حب الآباء والأمهات لأبنائهم هو حب غريزي وفطري، ولا يمكن أن نصفه بالقسوة مهما كانت تصرفاتهم، فلا أعتقد أن والدك كان قاسي القلب أبداً، ربما كان منهجه منهجاً خاطئاً - ولا أبرر الضرب بهذه الصورة المبرحة - ولكنه كان يقصد مصلحتك، فأرجو أن تتسامحي في هذا الأمر وأن تدعي لوالديك وأن تكوني أكثر برّاً بهم، ولا تعيشي الماضي بكل هذه السلبية والظلامية، وحتى لو كان الماضي سلبياً فما هو إلا تجربة نستفيد منها لبناء الحاضر والمستقبل، وليس أكثر من ذلك.

أنت الآن في العمر الذي يؤهلك أن تحكمي على الأمور الحكم الصحيح، فانقلي نفسك بالتفكير الإيجابي، فهذا هو الذي سوف يساعدك كثيراً، وأنا سعيد أنك قد أصبحت أكثر التزاماً بصلاتك وبقراءة القرآن، ولا شك أنها أمور أساسية معينة لنا في الدنيا وفي الآخرة، فعليك بذلك.

عليك أيضاً أن توسعي من علاقتك الاجتماعية خاصة مع الصالحات والخيرات من الفتيات، وسوف تجدين كل العون منهنَّ إن شاء الله فاحرصي على ذلك، وحاولي دائماً أن تتفاعلي إيجابياً مع أهل بيتك، وأن تكوني متسامحة وأن يكون لك وجودك وحضورك، فهذا هو الذي سوف يفرج كل كربك ويجعلك تنظرين للحياة بإيجابية.

أعتقد أن الأدوية سوف تساعدك في هذا المزاج السوداوي المتعكر، وتوجد الآن أدوية فعالة وممتازة تساعد في مثل هذا القلق ومثل هذا التفكير السلبي بإذن الله، وهذا الدواء الذي أود أن أصفه لك يعرف علمياً باسم (سيرترالين Sertraline)، وله أسماء تجارية كثيرة منها (زولفت Zoloft) ومنها (لسترال Lustral)، فابدئي في تناوله بجرعة خمسين مليجراماً (حبة واحدة) ليلاً بعد الأكل وتستمرين عليها لمدة شهر، ثم بعد ذلك ترفعين الجرعة إلى حبتين (مائة مليجرام) وتستمرين عليها لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك خفضي الجرعة إلى حبة واحدة لمدة ستة أشهر أخرى، ثم تتوقفين عن تناول الدواء.
وهذا الدواء من الأدوية السليمة والمفيدة، وأنا على ثقة كاملة أنك بعد ستة إلى ثمانية أسابيع من تناول الدواء سوف تشعرين أن الخوف والكآبة والنظرة السوداوية قد اختفت وتلاشت، ولكن هذا لابد أن يُدعم بالتفكير الإيجابي.

وأرجو أن تديري وقتك بصورة جيدة وأن تكوني فعّالة، وأن تدرسي وتتواصلي اجتماعياً وأن تمارسي شيئاً من الرياضة التي تناسب الفتاة المسلمة، ولابد من وجودك وحضورك داخل البيت، فهذا كله يساعد مساعدة كبيرة، وحبذا لو انضممت إلى أي جمعية خيرية للقيام بأي عمل من العمل التطوعي، فالعمل التطوعي يعطي الإنسان الشعور بالرضا ويرفع قيمة الذات، وحين ترتفع قيمة ذاتنا نحس حقيقة بوجودنا وبكينونتنا، وهذا إن شاء الله تعالى يزيل التفكير السلبي والطاقات السلبية، نسأل الله لك الإعانة والتوفيق، ونشكرك كثيراً على تواصلك مع موقعك إسلام ويب.
==============================
انتهت إجابة المستشار النفسي د. محمد عبد العليم، ولإتمام الفائدة واكتمال الجواب تم عرض استشارتك على المستشار الشرعي الشيخ/ موافي عزب، فأجاب قائلاً:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل بلاء، وأن يعينك على النهوض من هذه المرحلة الحرجة المزعجة، وأن يرزقك التوفيق والسداد، وأن يصرف عنك تلك الأفكار السوداوية، وأن يجعلك من سعداء الدنيا والآخرة.

وبخصوص ما ورد برسالتك، فإن سلوك الآباء الذي يتسم بالعنف أو العدوان أو حرمان الأطفال من الشعور بالأمان أو الحرمان من حقهم في التقدير أو إشعارهم بأنهم أشخاص غير مرغوب فيهم، يؤدي إلى فقدانهم الثقة بأنفسهم ويؤدي كذلك أيضاً إلى فقدانهم الثقة بالآخرين، وقد أثبتت الدراسات هذا الكلام، فتصرف الوالدين معك أدى بك إلى أن تفقدي ثقتك بنفسك وأن تتحولي إلى هذه الشخصية العجيبة الغريبة، وأن تتمني الموت أو تحاولي الموت، ولكن دخولك الغرفة وحبك للون الأسود وسماعك للأغاني الحزينة ليس حلاً لما تمرين به.

ورغم أن لديك سلبية في الدراسة وعدم توفيق فيها بالقدر المطلوب إلا أنه ما زال لديك خير ولله الحمد والمنة، فأنت فيك قدرات طيبة لأن الله تبارك وتعالى خلق الإنسان وزوده بكل ما يحتاجه في هذه الحياة، وهذا يحتاج منك أن تدرسي نفسك وأن تركزي على هذه النقاط الجيدة وتحاولي استغلالها وإبرازها.

ولا تجعلي الأمور أسوأ مما هي عليه، لأنك الآن في وضع سيء، فكونك لا تذاكرين أو لا تأخذين بأسباب المذاكرة أو تنعزلين عن المجتمع يزيد الأمر سوءاً، ولذلك ينبغي أن تفكري بطريقة صحيحة، وينبغي عليك أن تتعرفي على أخطائك، وتحددي النقاط التي أدت بك لهذه الحالة، ثم بعد ذلك لا تستسلمي، وإنما لابد أن تقاومي وأن تحاولي التخلص منها حتى يفتح الله تبارك وتعالى عليك.

ولا تسمحي لأحد أن يزيد الأمر سوءاً، فانتقادات الناس ينبغي أن تحمليها على محمل الجد، فإن والديك لم ينتقدوك ولم يعنفوك إلا لأنهم أرادوا الخير لك، إلا أنهم بالغوا وزادوا في الجرعة حتى أصبت بهذه الحالة النفسية.

وأما أختك المتميزة المدللة فقد يكون دلالها بسبب تميزها وتفوقها الدراسي، ومعنى ذلك لو أنك تميزت مثلها أو كنت ناجحة لكان لك حظ أيضاً من هذا الدلال وهذه المعاملة الحسنة، ومن الأفضل أن لا تضعي مقارنة بينك وبين أختك حتى لا يدخل الشيطان بينكما، فلكل شخص قدرات منحها الله إياه.

فحاولي أن ترتبي لك جدولاً للمذاكرة وتأخذي فكرة عن المواد التي ستشرح قبل الذهاب إلى المعهد، ثم بعد ذلك تنتبهين إلى شرح المدرسين والمدرسات في المعهد، وحاولي أن تذاكري هذه المواد مرة أخرى، وأعطي نفسك فرصة للحياة، ولابد أن تقبلي التحدي، وأن تعلنيها صريحة لوالديك أنك ستنافسين وسوف تتفوقين بإذن الله تعالى.

والأصل فينا أننا نحن الذين نزرع الأفكار الحسنة أو الإيجابية في عقولنا، فازرعي في ذهنك فكرة أنك متميزة وأنك ناجحة وأنك قادرة على تغيير هذا الواقع وأنك قادرة على التميز وعلى أن تكوني أفضل من كل من معك، فلابد أن تزرعي في نفسك هذه الفكرة.
واستعيني بالله وأكثري من الدعاء أن يغير الله واقعك، فأنت الآن من فضل الله تعالى التزمت وأصبحت تصلين وطلبت من الله تعالى أن يساعدك وهو سبحانه سيساعدك، ولكن الطلب مرة واحدة لا يكفي؛ لأن المشكلة مشكلة تراكمية قديمة تحتاج إلى طلب متكرر يومياً، تسألين الله تبارك وتعالى أن يغير واقعك، مع المحافظة على الصلاة، واعلمي أن الدعاء وحده لا يكفي إذا كنت سلبية، وإنما لابد من الأخذ بالأسباب والاجتهاد قدر استطاعتك.

وأما تفكيرك في الموت فإنه هروب من مشكلة إلى مشكلة أكبر منها، ولذلك فكري في الحياة، واعلمي أن من حقك أن تعيشي حياة آمنة مستقرة طيبة؛ لأن الذي ضمن لك البقاء في الحياة إنما هو الله، والذي أعطاك هذه الفرصة إنما هو الله، فاجتهدي ولا تضيعي هذه الفرصة، وكما أن أختك قادرة على النجاح فأنت أيضاً قادرة على النجاح.

وأتمنى أن تدرسي شخصية ناجحة تعرضت لمحن كثيرة وصبرت وثابرت حتى تحقق لها ما تريد، ولتكن شخصية النبي المصطفى محمد عليه الصلاة والسلام، واقرئي كتاب (كيف تتخلصين من الخوف)، لمؤلفه الدكتور (عمرو أحمد بدران)، وكتاب آخر أيضاً (كيف تبني ثقتك بنفسك) لنفس المؤلف، ولو اطلعت عليهما ستأخذين بعض المهارات الجيدة التي تعينك على التخلص من ذلك، وأود أن ألفت انتباهك إلى أن النظر في الأبراج لا يجوز شرعاً، وقد نهى عن ذلك النبي عليه الصلاة والسلام لأنها نوع من الدجل.

نسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يغير حالك إلى أحسن حال، وأن يجعلك من الصالحات القانتات الفائزات المتميزات، ومن السعداء في الدنيا والآخرة.
والله ولي التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً