وساوس كبيرة تجعلني كل يوم أعتقد أني وقعت في الكفر

2012-04-24 10:53:27 | إسلام ويب

السؤال:
أعاني -يا شيخ- من وسواس عظيم، فكل يوم أعتقد أني وقعت في الكفر -والعياذ بالله- وأنا الآن حالتي النفسية ضعيفة، لا أتكلم مع أصحابي، ولا أخرج إلى مكان، فقط في البيت، ومستواي الدراسي هبط جدا.

قبل الوساوس سمعت واحدا يستهزء بالدين، فقمت بالضحك، هنا بدأ الوسواس، فكل يوم أعتقد أني كفرت -عياذا بالله- ومن المواقف التي حدثت لي:

- عندما أردت أن أتوب وسوس لي الشيطان بأنه يجب أن أتوب من جميع الذنوب، ولم أستطع أن أتوب منها كلها، وأنا أعلم أن الجمهور على أن التوبة من بعض الذنوب مقبولة، ولكن قلت هناك اختلاف، ولا يمكن أن يكون إسلامي مشكوكا فيه، والمشكلة أن هناك ذنوبا يصعب تركها، مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأني جدا خجول (حتى أني في بعض الأحيان لا أستطيع التحدث).

وهل يجب عند التوبة من الضحك عند الاستهزاء بالدين التوبة أيضا من الاستهزاء من الناس؟
لأني سمعت فتوى تقول أن التوبة من الذنب الواحد يجب أن لا يرتبط هذا الذنب بذنب آخر.

- رأيت واحدا يقرأ القرآن ووضعه فوق ثوبه عند مكان العضو -أكرمكم الله- فلم أستطع أن أنكر عليه؛ لأن الناس كلها تشاهدني، فكيف أقول له أحمل القرآن؟!
وأنا أعلم أن الذي رأى آية من آيات الله تهان ولم يرفعها كافر.

أرجو توجيه نصيحة أخيرة!


الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ahmad حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله الجليل جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يفرج كربتك، وأن يقضي حاجتك، وأن يصرف عنك كيد شياطين الإنس والجن، وأن يثبك على الحق، وأن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يوفقك في حياتك كلها، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك -أخي الكريم الفاضل- فإن ما ذكرته من أسباب هذا الوسواس العظيم؛ حيث إنك اعتقدت أنك وقعت في الكفر -عياذًا بالله تعالى- وبناء على ذلك ترتب عليه ضعف كلامك مع أصحابك، وعدم خروجك من البيت إلا للضرورة القصوى، وكذلك أيضًا ضعف مستواك العلمي، وتقول بأن سبب هذا الكلام أنك سمعت أحدًا يستهزأ بالدين فقمت بالضحك، ومن هنا بدأت الوساوس تجتاحك والعياذ بالله، وكذلك أيضًا عندما تريد التوبة فإن الشيطان يصعب عليك الأمر ويقول لك بأنك لابد أن تتوب من جميع الذنوب إلى غير ذلك.

أقول لك أخي الكريم الفاضل: إنه مما لا شك فيه أن الوسواس أمر عظيم وابتلاء كبير، وبالتقصي وقراءة أهل العلم يتبين أن الوساوس لا تصيب إلا أصحاب الضمائر الحية، وأصحاب القلوب الرقيقة، وأصحاب النظافة والترتيب والنظام، لأن هؤلاء يحرصون على أن تكون أمورهم في غاية التوفيق والسداد، وهذا الأمر يفتح بابًا أمام الشيطان ليدخل إلى نفسية الإنسان وعقله ويفسد عليه هذه الرغبة ويحولها إلى دمار بدلاً من أن تكون عامل نجاح وتميز.

كونك تقول بأن الوسواس قبل وقوعه بقليل سمعت أحدًا يستهزئ بالدين فقمت بالضحك، ومن هنا بدأت الوساوس، وكل يوم تعتقد أنك كفرت بالله والعياذ بالله تعالى.

أقول لك أخي الكريم الفاضل: الضحك العادي ليس فيه شيء، ولكن إذا كنت تضحك إعجابًا بكلام هذا الشخص مثلاً أو كنت ترى بأن كلامه حق، فهذا هو الذي يكون خطرًا، أما مجرد الضحك العادي فإنه ليس فيه شيء بإذن الله تعالى، ولا ينبغي أن تربطه بهذا الكلام حتى لا يزين لك الشيطان فعلاً أنك قد استهزأت بالدين وأصبحت على خطر عظيم، وأصبحت ممن قال الله تعالى فيهم: {ولئن سألتهم ليقولنَّ إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم}.

لكني أقول كما ذكرت لك لابد من التأكد فعلاً أن الدافع إنما كان هو الاستهزاء بالدين حقيقة أو الفرح بمن يستهزأ بالدين، أما مجرد أنك ضحكت وصادف الضحك هذا الكلام فإنه إن شاء الله تعالى لا يوجد فيه شيء فيما يتعلق بالشرع.

كذلك أيضًا وسوسة الشيطان من أنه يجب أن تتوب من جميع الذنوب والمعاصي وأنت لا تستطع كما ذكرت، فأنا أقول لك أيضًا إن هذا من عمل الشيطان ومن تلبيس إبليس، لأن الشيطان يريد أن يضخم لك المعاصي، وأن يبين لك أنه لا أمل لك في توبتك من بعض الذنوب؛ وعليك أن تواصل رحلة المعصية ومخالفة أمر الله تعالى، وهذا أيضًا كما ذكرت لك من عمل الشيطان، ويجب عليك أن تقاومه خاصة وأنك تعرف الحق والصواب، وتعرف أنه إذا تاب العبد من ذنب معين أن الله تبارك وتعالى تاب عليه وغفر له حتى وإن بقيت لديه ذنوب أخرى لم يتب منها، فإن ملفاتها ستظل مفتوحة حتى يتوب إلى الله تعالى ويرجع إليه ويندم ويستغفر ويغفر الله تبارك وتعالى له.

وتقول أيضًا يجب التوبة من الضحك عند الاستهزاء بالدين، التوبة أيضًا من الاستهزاء من الناس؟
هذا ليس صحيحًا؛ لأن الاستهزاء بالدين كما تعلم من كبائر الذنوب ومن عظائم المعاصي، ولا أعتقد أن رجلاً مسلمًا صادقًا يستهزئ بدينه أبدًا، حتى وإن كان لا يعرف من الدين شيئًا، لأن الدين له قدسية في حياة الناس جميعًا، والناس حتى وإن كانوا من العوام يعظمون دين الله تبارك وتعالى، ولكن الأمر قد يلتبس على بعض الذين ينظرون إلى الواقع ولا يعرفون الدوافع.

كذلك أيضًا فيما يتعلق برؤيتك لهذا الرجل الذي وضع القرآن في حجره فوق العورة، وأنك لم تستطع أن تنكر، فالواقع هذا ليس فيه شيء، لأن هذا الآن يقينًا لعله لا يفكر فيما تفكر فيه أنت أصلاً، وإنما وضع الرجل هذا المصحف في حجره وفي ثوبه، والثوب طاهر ونظيف، فلماذا صار فكرك إلى مسألة العورة وأن هذا نوع من الاستهزاء؟!

هذا كله كما ذكرت أنت وكما يتضح من خلال الرسالة إنما كله من عمل الشيطان، لأن الشيطان يريد حقيقة أن يستغل هذه الشبهات لإفساد علاقتك مع الله تعالى، وإخراجك من الملة والعياذ بالله تعالى.

ولذلك يجب عليك دائمًا أبدًا أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وكلما جاءك أي هاجس حاول أن تتفل على يسارك ثلاث مرات وأن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ولا تلقي بالاً لهذا الشيطان اللعين، لأن الشيطان كما تعلم يستدرج الإنسان استدراجًا حتى إذا ما وقع في معصية انقض عليه ليأكله وليشهر به والعياذ بالله تعالى.

فعليك ألا تلقي بالاً لهذه الأشياء وألا تنتبه لها أبدًا، وألا تجعلها سببًا في مسألة حبس نفسك في البيت وعدم تواصلك مع إخوانك، لأن بُعدك حقيقة عن إخوانك لن يزيد الطين إلا بلة ولن يزيد المرض إلا علة.

وجودك مع إخوانك المسلمين خاصة مع من هم في مثل سنك فيه نوع من التفريج وفيه نوع من التيسير وفيه نوع من راحة النفس، وإنما يأكل الشيطان من الغنم القاصية، فجلوسك وحدك قد يجعلك حقيقة عرضة لمزيد من الوسوسة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد).

والإنسان منا إذا كان وحده فإن الشيطان يفترسه بعنف وبشدة، ويحرص على أن يضيق عليه كل أبواب الرحمة، حتى يضطره إلى أن يكفر بالله والعياذ بالله تعالى.

فعليك بارك الله فيك كما ذكرت أن لا تُلقي بالاً لهذه الأشياء، وأن تكثر من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وأن تسأل الله عز وجل العافية، وأن تُكثر من الدعاء أن يعافيك، وأن تطلب ممن تتوسم فيه الصلاح والعبادة من إخوانك أن يدعو الله تبارك وتعالى لك أن يعافيك من هذا البلاء.

كل هذه الشبه التي وردت في رسالتك لا أساس لها من الصحة، وأرجو ألا تُلقي لها بالاً وألا تهتم بها مطلقًا، لأنها كلها عبارة عن شبهات لا أساس لها من الصحة، اللهم إلا أن الشيطان أراد أن يضخمها وأن يذكيها، وأن يزيدها اشتعالاً، وأن يشعرك بأنك قد ارتكبت ظلمًا عظيمًا وجُرمًا كبيرًا، حتى يحول بينك وبين التوبة، فتلقى الله تبارك وتعالى على سوء خاتمة والعياذ بالله تعالى.

بالنسبة لعلاج الوسواس أنصحك أخي بمراجعة أخصائي نفساني لأنه الأقدر على إعادة ترتيب نفسك مرة أخرى، وهناك أدوية الآن يصرفها الأطباء ليس لها أي أعراض جنبية.

لاحتمال أن يكون السبب في هذه الوسوسة، هو الشيطان -لعنه الله- وعموما عليك بالتوبة من الذنوب كلها، وأن تعقد النية على ذلك؛ لأنك لا تدري هل سيطول بك العمر لتتوب من بقية الذنوب، فعليك بالتوبة النصوح الشاملة لجميع الذنوب والخطايا، وأن تجتهد قدر استطاعتك في تغيير نفسك للأحسن، والأفضل أن تحرص على ترك جميع الذنوب صغيرها وكبيرها، وتسأله قبول توبتك وتدع الأمر له -جل جلاله وتقدست أسماؤه- فإن وقعت في أي ذنب بعد هذه التوبة فعليك أن تتوب منه وحده وهكذا.

أسأل الله أن يغفر لنا أجمعين، وأن يتوب علينا، وأن يبصرنا بالحق، إنه جواد كريم.

وبالله التوفيق.

www.islamweb.net