أحب الإسلام والمسلمين وأبكي على واقعهم لكنني عاصية جدا، فهل هذا نفاق؟

2014-03-26 03:08:51 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عمري 19، أحب الإسلام والمسلمين، ومتعلقة بشكل كبير بقضايا الأمة الإسلامية دون العربية، أو أي قضايا أخرى "ما بين عيني هو الإسلام وأهله من السنة والجماعة" ولا يمر يوم دون بكائي أو دعائي، رغم أني أرى أني عاصية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

أنا أسمع الأغاني، وأؤخر الصلاة، وأغتاب كثيرًا، وبالمقابل أحرص على أن لا أهجر القرآن فأقرأه والحمد لله، فهل هذا نفاق، أم أكذب على نفسي، أو ما هي حالتي بالضبط؟ وكيف أتجنب المعاصي وألزم الطاعات؟

ساعدوني أعانكم الله.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هدى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أختنا الفاضلة- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يبارك فيك وأن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدر لك الخير حيث كان وأن يرضيك به.

وبخصوص ما سألت عنه: اعلمي -أختنا الفاضلة- أن حبك للإسلام ولقضاياه الكبري، وأدعيتك ودموع عينك؛ هذا يدل على حسن فطرتك، وأنت مأجورة على ذلك، أما معصيتك من تأخير الصلاة وسماع الأغاني فهذا شأن آخر، ولا يدل على نفاق بقدر ما يدل على قصور تديني، وإننا هنا ندعوك أختنا الفاضلة إلى مراجعة دقيقة لما أخبرت به، واعلمي أختنا الفاضلة أن الإيمان يزيد بأمور وبضدها ينقص الإيمان، ومن بين الأمور المعينة لك على زيادة الإيمان ونبذ المعاصي:

أولاً: طلب العلم الشرعي، على الأقل الأصول الثابتة وما لا ينبغي للمؤمن الجهل به، يقول ابن رجب: "العلم النافع يدل على أمرين: أحدهما: على معرفة الله وما يستحقه من الأسماء الحسنى والصفات العلى والأفعال الباهرة، وذلك يستلزم إجلاله وإعظامه، وخشيته ومهابته، ومحبته ورجاءه، والتوكل عليه والرضاء بقضائه، والصبر على بلائه. والأمر الثاني: المعرفة بما يحبه ويرضاه، وما يكرهه وما يسخطه من الاعتقادات والأعمال الظاهرة والباطنة والأقوال، فيوجب ذلك لمن علمه المسارعة إلى ما فيه محبة الله ورضاه، والتباعد عما يكرهه ويسخطه، فإذا أثمر العلم لصاحبه هذا فهو علم نافع، فمتى كان العلم نافعاً، ووقر في القلب، فقد خشع القلب لله وانكسر له، وذل هيبة وإجلالا وخشية ومحبة وتعظيما".

ثانيا: التدبر في قراءة القرآن، قد ذكرت -حفظك الله- أنك تقرئين القرآن، ونحن نريد منك تدبره، ففي قراءته وتلاوته يزداد الإيمان ويدل على ذلك قول الله عز وجل في وصف المؤمنين الصادقين: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا}، {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} يقول ابن القيم رحمه الله: "قراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم، وأنفع للقلب وأدعى في حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن"، ويقول كذلك: "فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده وأقرب إلى نجاته من تدبر القرآن، وإطالة التأمل، وجمع الفكر على معاني آياته، فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرها ... وتثبت قواعد الإيمان في قلبه، وتشيِّد بنيانه وتوطِّد أركانه".

فإذا تدبر العبد لآيات الله تعالى، وما فيها من وعد ووعيد وجنة ونار، والأعمال التي تسوق إليهما، زاد إيمانه ويقينه بوعد ربه ووعيده.

ثالثا: الإكثار من ذكر الله تعالى، قال تعالى {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث أبي موسى: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت" رواه البخاري.

فذكر الله عز وجل فيه حياة للقلب، فيزداد إيمان العبد كلما أكثر من ذكر ربه، ويموت القلب وينقص إيمان العبد كلما كان بعيداً عن ذكر ربه، وفي هذا علامة على الغفلة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، وقال في وصف المنافقين الذين ملئت قلوبهم كفراً وبعداً عن الله تعالى: {وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً}، قال أبو الدرداء رضي الله عنه: "لكل شيء جلاء، وإن جلاء القلوب ذكر الله عز وجل"، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الذكر للقلب مثل الماء للسمك، فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء؟".

رابعا: الاجتهاد في حضور مجالس الذكر والحرص عليها، وقد حدثت واقعة تدل على أهمية المجالس في زيادة الإيمان، وهو حديث حنظلة الأُسيدي حين قال: "قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "وما ذاك؟ قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنّا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة".

خامسا: مصاحبة الأخيار، ويدل عليه قول الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل".

قال الشاعر:

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي
وقال آخر:

فصاحب تقياً عالماً تنتفع بـه فصحبة أهل الخير ترجى وتطلبُ
وإياك والفسـاق لا تصحبنهم فقربهمُ يُعدي وهذا مجَّــربُ
فإنا رأينا المرء يسرق طبعه من الإلف ثم الشرُ للناس أغلبُ

نسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يسدد خطاك إلى ما يحبه ويرضاه، والله الموفق.

www.islamweb.net