أنا حبيس البيت وأخاف من الماضي كثيرا، فما الحل؟

2014-07-16 03:29:44 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم.

أنا شخص لا أعلم ماذا أفعل بنفسي؟ ولا أعلم ماذا سيحصل في المستقبل؟ أرى أن مستقبلي سيكون دمارا، ولن أكون الشخص الذي عرفني الناس!

أنا في عمر 17 سنة، وأريد العلاج، أنا أخاف من الماضي دائما وأندم، وعندما أكون وحيدا أفكر بالماضي وأبكي بكاء شديدا، وعلى أتفه الأشياء، أبكي في المطبخ، أبكي في الغرفة، أبكي في دورات المياه، أبكي عندما أكون لوحدي.

أنا شخص أخاف من الماضي، وليس من المستقبل، أندم على أمور فعلتها ولم أصححها، أندم على ذنوبي، أندم لأني ظلمت أشخاصا، وأحيان أبكي لوحدي، أكاد أنتحر وأريح نفسي من هذا الشيء المرعب!

هل أعاني من ارتباك وجداني أو رهاب اجتماعي؟ وهل علي زيارة الطبيب؟ أريد نصيحتكم، وأشكر رحابة صدركم على إتاحة الفرصة لي، فأنا أعاني من رهاب اجتماعي منذ خمس سنوات،‏ وإذا نظر أحد أو حدق فيَّ أشعر برعشة شديدة جدا، وأشعر بشعور لا يريح.

أريد حلا، فمن شدة الرهاب أصبحت لا أصلي جماعة، صرت أصلي في البيت لأكثر من 4 سنين، ولا أخرج من البيت أبدا،‏ لدرجة أن أهل المنطقة (الحارة) عرفوا أني المختفي الأكبر، ولا أخرج إلى الشارع! أريد حلا.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أُبارك لك شهر رمضان المبارك، وأنت الآن تعيش حالة وجدانية يسيطر عليك فيها الندم على ما مضى، فيا أخي الكريم: هذا موسم عظيم، موسم الصوم، من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه، فصم الشهر إيمانًا واحتسابًا وإن شاء الله تعالى سيغفر لك.

أيها الفاضل الكريم: من الواضح جدًّا أنك شخص طيب القلب وحي الضمير، فجزاك الله خيرًا على ذلك، هذه المحاسبة الشديدة لذاتك عمَّا اقترفته سابقًا وأسميته ظلما لأشخاص، هذا دليل على طهر ونقاء نفسك إن شاء الله تعالى، وأنك لا تريد أن تكون من الظالمين.

أيها الفاضل الكريم: نفسك اللوامة قوية، وإن شاء الله تعالى نفسك الأمّارة بالسوء قد تعطلت تمامًا، والنفس اللوامة بهذه الكيفية سوف تنقلك إلى ناحية أن تكون إنسانًا مطمئنًا إن شاء الله تعالى.

أعتقد أنك مطالب بأن تخفف على نفسك، ولا تحمل على نفسك بهذه الطريقة، وجالس العلماء، وجالس الحكماء من أهل الإسلام، وسوف تجد أنك بالفعل قد أثقلت على نفسك.

أنت إن شاء الله بخير، وسوف يفيدك إن شاء الله أحد الإخوة المشايخ في إسلام ويب بما يفيدك حول مشاعرك هذه.

أزعجني كثيرًا قولك: إنك تفكر في الانتحار، كيف تفكر في الانتحار وأنت ذاك الشاب الذي تشتاق وتتوق بأن تصلي مع الجماعة؟ لكن الخوف الاجتماعي أقعدك عن ذلك، لا تجعل لهذه الكلمات سبيلاً أبدًا إلى تفكيرك ولا إلى وجدانك، حياتك طيبة، والماضي قد انتهى، والاستغفار هو سيد الموقف، وكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.

أكثر من الاستغفار، وردَّ المظالم إلى أهلها إن استطعت، وعامل الناس بخلق حسن، وكن أكثر ثقة في نفسك، واجتهد في دروب الحياة، اجتهد في دراستك، اجتهد في تميزك، أمامك مشوار طويل لكنه جميل، لم يضع من عمرك شيئًا، وهذا ما جعلني متفائلاً جدًّا، فأنت في هذا العمر، أمامك الآن التركيز على الدراسة، أمامك أن تبني مهاراتك، أن تطور شخصيتك، أن تكون بارًا بوالديك.

وليس هنالك ما يجعلك أبدًا ترهب الناس اجتماعيًا، اجلس مع أسرتك، اجلس مع أصدقائك، اذهب إلى حلق تحفيظ القرآن واستغل فرصة رمضان، والعب رياضة جماعية مع أصدقائك، هذا هو الطريق الذي يجب أن تنتهجه.

أرى أنه سيكون من الجميل أن تذهب وتقابل الطبيب - الطبيب العمومي أو الطبيب النفسي – ليكتب لك أحد الأدوية البسيطة المضادة للخوف الاجتماعي، وهي كثيرة جدًّا، وسليمة جدًّا.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا.

++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم. استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان، وتليها إجابة د. أحمد الفرجابي. مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++

نرحب بك ابننا الكريم، ونشكر لك هذه المشاعر النبيلة التي دفعتك للكتابة إلينا، ويُسعدنا أن نؤكد لك أنك ولله الحمد على خير.

أرجو أن تعلم أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ومن ظنَّ أنه أساء في الماضي ما عليه إلا أن يتوب، والتوبة تجُبُّ ما قبلها، كما قال النبي – عليه الصلاة والسلام – لعمرو بن العاص عندما خشي ألا يُغفر له، فقال: (يا عمرو أما علمتَ أن الإسلام يجُبُّ ما قبله، وأن الهجرة تجُبُّ ما قبلها، وأن التوبة تمحو ما قبلها) فأبشر برحمة الرحيم.

نؤكد لك أنك ولله الحمد في ريعان الشباب، فعن أي ماضٍ تتحدث؟ أنت أصلاً لم يجر عليك القلم إلا منذ سنوات معدودة، ما قبلها كان القلم مرفوعًا عنك؛ لأنك كنت صغيرًا، وحتى بعد أن أصبحت كبيرًا وأصبحت مكلفا فإن الذنوب وإن بلغت عنان السماء فإن الغفَّار يغفرها، والرحيم يرحمنا، والتواب يتوب علينا، فما سمَّى نفسه توابًا إلا ليتوب علينا، فعجِّل بالتوبة والرجوع إلى الله تبارك وتعالى.

لا تبكي على اللبن المسكوب، ولا ترجع إلى الوراء، فإن ذلك لا يُسعد ولا يُفرح سوى الشيطان، لا تقل: (لو أني فعلت كذا كان كذا، ولكن قل (قَدَرُ/ قدَّر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان) ثم امض إلى الأمام، واعلم أن {الحسنات يُذهبن السيئات ذلك ذكر للذاكرين}.

من الواضح ابننا الكريم أن للشيطان دخلا، والدليل على ذلك أنه يمنعك من الخير، أنه يحول بينك وبين الناس، أنه يحول بينك وبين صلاة الجماعة، أرجو أن تعلم أن الناس الذين تشاهدهم كلهم لهم أخطاء، فكلنا ذلك المُخطئ المقصر، لكنَّ الله ستر علينا، ونحن نستر على أنفسنا، والإنسان ينبغي إذا ذكّره الشيطان بأخطائه أن يُجدد التوبة والرجوع إلى الله تبارك وتعالى، فإن هذا يُحزن الشيطان، يحزن إذا تبنا، ويندم إذا استغفرنا، ويبكي إذا سجدنا لربنا تبارك وتعالى.

أرجو أن تصطحب هذه المشاعر، وتعلم أن الناس مرحومون مهما فعلوا من الذنوب، وكما قال الله: {إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} وقال الله تبارك وتعالى: {والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر ولا يقتلون النفس التي حرَّم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلقى أثامًا * يُضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مُهانًا} قال وحشي حين أراد الإسلام: هذه جرائم فعلناها! فأنزل الله تعالى: {إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحًا} ليس مجرد مغفرة يا ابني، قال الله: {فأولئك يبدِّل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورًا رحيمًا}.

ما عليك إلا أن تُخلص في توبتك، وتصدق في رجوعك إلى الله تبارك وتعالى، وبشِّر نفسك بالخيرات، فالندم على ما مضى توبة، والعزم على عدم العود، والاجتهاد في الحسنات الماحية، ورد الحقوق لأصحابها، أو الدعاء لهم.

هذه أمور مطلوبة، فعليك أن تُدخل نفسك في رحمة الرحيم، ولا تشغل نفسك بهذه الوساوس والأوهام.

نسأل الله أن يعينك على الخير، ونسعد بدوام التواصل مع الموقع، نريد أن تُقبل بعد ذلك بشبابك على الدراسة والعبادة، نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

www.islamweb.net