عندما أعمل عملا أريد به وجه الله تأتيني أفكار كالإعجاب بالنفس، فما توجيهكم؟

2017-07-11 02:52:01 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لدي مشكلة لا أدري إن كانت وسواسا أو من نفسي، كلما أعمل عملا أريد به وجه الله تأتيني أفكار رغما عني كالإعجاب بالنفس، وبأنني من القليلين الذين يريدون وجه الله، وأنني محسنة ومسلمة حقيقية، وأني أحسن من العديدين وإلخ...، لكنها تأتيني رغما عني، فأنا في عقلي أدرك أنني لست شيئا، أنني مازلت بعيدة جدا على أن أكون ملتزمة بحق، أنني بالمقارنة مع آخرين والمسلمين أيام الرسول -صلى الله عليه وسلم- لست شيئا أبدا، وأنه علي أن أجتهد أكثر في طاعتي، لكن حقا ما بيدي حيلة!

أخاف أن أكون حقا أفكر بهذه الطريقة، أخاف أن يكون عملي قد حبط كله بسبب هذه الأفكار.

أتمنى حلا، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ميساء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

توصيف المشكلة: لديك وسوس من العجب بالنفس، وأنك كلما عملت عملاً تبتغين به وجه الله تأتيك وساوس أنك محسنةٌ وأنك من أحسن الناس عملاً رغم أنك تحاولين من داخلك مغالبة هذا الشعور.

الحلول والعلاج: شكرا على طرح هذا السؤال الدقيق الذي يدل على أنك تراقبين نفسك مراقبة دقيقة، وهناك خيط فاصل دقيق بين مراقبة الإنسان لنفسه ونيته، وتحسين وضعها بين الفينة والأخرى، وبين الشعور بالعجب.

يعرف الإمام الغزالي: العُجب بأنه: استعظام النعمة، والركون إليها، مع نسيان إضافتها للمنعم. انتبهي لقوله: مع نسيان إضافتها للمنعم.

ويقدم لنا الإمام ابن حزم -رحمه الله تعالى- في كتابه "الأخلاق والسير" شرحاً وافياً لشعور العجب بالنفس، ويساعدنا في تطهير قلبنا من هذا الداء الخفي.

يقول الإمام ابن حزم في كيفية العلاج من العجب: "من امتحن بالعجب فليفكر في عيوبه، فإن أعجب بفضائله فليفتش ما فيه من الأَخْلاَق الدنيئة، فإن خفيت عليه عيوبه جملة حتى يظن أنه لا عيب فيه، فليعلم أن مصيبته إلى الأبد وأنه لأتم الناس نقصاً وأعظمهم عيوباً، وأضعفهم تمييزاً، وأول ذلك أنه ضعيف العقل جاهل، ولا عيب أشد من هذين؛ لأن العاقل هو من ميز عيوب نفسه فغَالَبَها وسعى في قمعها، والأحمق هو الذي يجهل عيوب نفسه إما لقلة علمه وتمييزه وضعف فكرته، وإما لأنه يقدر أن عيوبه خصال وهذا أشد عيب في الأرض."

ثم يقدم لنا طريقة عملية لتطهير القلب من العجب فيقول: "ولا تمثل بين نفسك وبين من هو أكثر عيوباً منها، فتستسهل الرذائل وتكون مقلداً لأهل الشر وقد ذم تقليد أهل الخير فكيف تقليد أهل الشر! لكن مثل بين نفسك وبين من هو أفضل منك، فحينئذ يتلف عجبك وتفيق من هذا الداء القبيح الذي يولد عليك الاستخفاف بالناس وفيهم بلا شك من هو خير منك.

فإذا استخففت بهم بغير حق استخفوا بك بحق لأن الله تعالى يقول: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا.)، ثم يقول في علاج العجب: "فإن أعجبت بعقلك ففكر في كل فكرة سوء تحل بخاطرك، وفي أضاليل الأماني الطائفة بك فإنك تعلم نقص عقلك حينئذ."

وإن أعجبت بآرائك فتفكر في سقطاتك واحفظها ولا تنسها وفي كل رأي قدرته صواباً، فخرج بخلاف تقديرك وأصاب غيرك وأخطأت أنت. فإنك إن فعلت ذلك فأقل أحوالك أن يوازن سقوط رأيك بصوابه فتخرج لا لك ولا عليك، والأغلب أن خطأك أكثر من صوابك، وهكذا كل أحد من الناس بعد النبيين صلوات الله عليهم.

وإن أعجبت بعملك فتفكر في معاصيك وفي تقصيرك وفي معاشك ووجوهه فو الله لتجدن من ذلك ما يغلب على خيرك ويعفي على حسناتك فليطل همك حينئذ وأبدل من الْعُجْب تنقصاً لنفسك.

وإن أعجبت بعلمك فاعلم أنه لا خصلة لك فيه وأنه موهبة من الله مجردة وهبك إياها ربك تعالى فلا تقابلها بما يسخطه فلعله ينسيك ذلك بعلة يمتحنك بها تولد عليك نسيان ما علمت وحفظت.... "

بعد وقفة تأملية مع ما ذكره الإمام ابن حزم -رحمه الله- أنصحك بما يلي:
1- تجديد النية: احرصي على تجديد النية بكل عمل تقومين به، فقبل أن تبدئي بالعمل أو تبادري سلي نفسك: لماذا أفعل ذلك؟ ماذا أرتجي من وراء هذا العمل؟

فهذا السؤال المتكرر يعزز الرسائل الإيجابية إلى دماغك، ولا سيما إذا سرحت في خيالك مع جزيل ما أعده الله للعمل الذي تقومين به، وتخيلت أيضاً أنه ربما لا قدر الله إن شاب عملك شائبة من رياء أن يُقال لك يوم القيامة وإنما عملت كذا ليقال بأنك عملت وقد قيل، ثم تكون العاقبة خلاف لما كان في الحسبان...

كما في الحديث النبوي الشريف: أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبو هريرة -رضي الله عنه-: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ لَهُ نَاتِلُ أَهْلِ الشَّامِ أَيُّهَا الشَّيْخُ حَدِّثْنَا حَدِيثًاً سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ نَعَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا، قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا، قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ قَالَ كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ).

2- عليك أن تقارني نفسك دائماً مع من هم أعلى منك في الإيمانيات، لا بمن ترينهم أقل منك، فالموازنة مع الأعلى تولد في نفسك الشعور بالتقصير، وتمحق العجب، وتشحذ همتك للمضي بعزم للعمل ابتغاء مرضاة الله.

3-الإلحاح بالدعاء أن يطهر الله قلبك، ويعينك على إخلاص نيتك ، ويتقبل منك العمل.
4 ـ أنصحك بقراءة الكتب التي تتحدث عن أمراض النفس ومنها العجب وتعالجها ومنها مثل: صيد الخاطر لابن الجوزي، ومنهاج القاصدين لابن قدامة، وإحياء علوم الدين للغزالي، ومدارج السالكين لابن القيم.

والله الموفق.

www.islamweb.net