لا أطيق والدي وأفكر في قتله!

2019-03-10 06:54:03 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم

لا أجيد المقدمات لذا سوف أدخل في صلب الموضوع.

مشكلتي هي والدي أنا لا أطيقه، وأكرهه جداً جداً، أعتقد أنكم ستتفقون معي على السبب.

أول شيء هو لا يحترم أمي، ولا يحترمني أنا وإخوتي، ينتعنا بأقذر الشتائم لأبسط الأسباب، حتى إنه في مرة قام بطردي من البيت؛ لأني لعبت بجهاز الفيديو الخاص بي.

كما أنه بخيل جداً لدرجة تفوق الخيال، فهو لديه المال، ولديه عقار، لكن يرفض إعطاءنا ويقول: إننا عالة عليه، ويقوم بإذلالنا على القرش، إذا أحد اعترض يقوم بإيقافه من الدراسة لأسابيع، عقاب في منتهى البشاعة، حتى في مرة من المرات تحدثت معه أختي أنها تريد مالاً لشراء كتب فهاج وقام بالصراخ، وكسر مكتبتي التي أدرس عليها، في تلك اللحظة لم أتحمل لأنني أنا من قمت بشرائها من المال الذي أجمعه من الأكل والمواصلات، فصرخت عليه ثم قال، حسنا اصرف على نفسك.

من يومها توقفت عن الدراسة بسبب عدم دفعه للرسوم، وقام بكسر النظارة الطبية الخاصة بي، ورفض أن يصلحها، حتى إنه ذهب إلى غرفتي ولم يعد يخرج منها ينام فيها، ويأكل فيها وكل شيء.

تحدثت معه فقال هذه الغرفة اشتريتها بمالي إنها لي.

هذا ليس كل شيء، فلدي أخت مريضة بمرض في القلب، وتحتاج إلى العلاج، ولكنه يرفض بالرغم من إصرار الأطباء أنها يجب أن تسافر للعلاج لكنه يرفض ويقوم بإذلالها، لم يتوقف الأمر هنا، بعد أن قام بمقاطعتنا كلنا بدأ بأسلوب قذر وهو عدم إطعامنا، لا يقوم بإحضار الطعام إلى المنزل فقط يحضر معه أكل خاص به، ويرفض أن يتحدث معه أحد.

أنا حقا لم أعد أحتمله، وقد بدأت التفكير بجديه في قتله، لكني أخاف ربي، أرجو أن أجد حلاً هنا.

شكراً لكم.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ Bakil حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أيها الولد الكريم- وردا على استشارتك أقول:

إن كان الأمر كما تقول فلقد آلمني جدا ما تعانونه من والدكم، وأشعر بالحزن والأسى أن يتصرف والد مع أبنائه بهذه الطريقة، فالمال الذي يجمعه لن ينزل معه إلى قبره، ولكنه سيتركه لكم فلم هذا البخل والشح؟!

الوالد مسؤول في بيته عن رعيته وهم زوجته وأبناؤه وبناته، وسيسأل بين يدي الله عنهم، كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول عليه الصلاة والسلام: (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ).

لتكن لكم أسوة في والدتكم وفي صبرها؛ فلعل سلوكيات والدكم ليست وليدة اليوم، ولعل والدتكم صابرة عليه منذ عشرات السنين، فنسأل الله تعالى أن يكتب أجرها ويجزل مثوبتها.

اجتنبوا الأسباب التي تؤدي إلى غضبه، هكذا فعل رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام حين رأى رجلاً قد احمر وجهه وانتفخت أوداجه فلم يذهب مباشرة لنصحه، ولكنه قال: (إني لأعلم كلمات لو قالها هذا لذهب عنه ما يجد لو قال: أعوذ بالله من الشطيان الرجيم لذهب عنه ما يجد) الحديث.

لا بد أن تتعرفوا على الأسباب التي تجعله يغضب فتجتنبوها، ولا بد أن تقبلوا بالحد الأدنى من النفقة؛ لأنه قد يكون البخل صفة ملازمة لوالدكم ولكنكم لم تشعروا بها إلا الآن حين كثرت طلباتكم، ولكم الحق فليس طلبات واحتياجات الولد الصغير كاحتياجات الكبير.

عليك أنت وإخوانك أن تكونوا متماسكين، ولا تجعلوا هذه التصرفات تشغلكم عن التحصيل العلمي، بل اجعلوها تحدياً في إثبات جدارتكم ومكانتكم في المجتمع لتكونوا أعضاء صالحين مفيدين ومستفيدين -إن شاء الله تعالى-.

أيها الولد المبارك: أود لو أنكم تنظرون إلى من هم دونكم ممن لا سكن لهم ولا أهل ولا يجدون من الطعام إلا ما أبقاه الناس؛ فذلك أجدر أن تشكروا نعمة الله تعالى.

كرهك لوالدك، وإشغال فكرك بتصرفاته سيضيق عليك صدرك، وسيجلب لك الهم بشكل أكبر؛ لأن الحقد والكره نار مشتعلة في الصدر تتأجج أكثر فأكثر، كلما فكرت بالأمر وقد تجرك إلى ما لا تحمد عقباه.

فكر بطريقة لكسب الرزق، ولا تقعد عاجزاً، فأنت لست طفلاً، ويمكنك أن تعمل في أي عمل متاح بعد عودتك من المدرسة ولو أن تعمل عملاً حراً، فهنالك طلاب كثر واصلوا دراستهم وكانوا يعملون ويعيشون أسرهم وصارت لهم مكانه في المجتمع.

لو نظرت في أكثر من كانت لهم بصمات في هذه الحياة لوجدتهم من الطبقة التي عانت في بداية حياتها، كأن يكونوا فقراء أو أيتام أو مشردين، ولكن مع إصرارهم تمكنوا من الوصول إلى الغايات التي أرادوها، والأمر كما يقال: من كانت بدايته محرقة كانت نهايته مشرقة.

لن تبقوا على هذه الحال، فإما أن يتغير والدكم وهذا ما نرجوه، وإما أن يهيئ الله لكم الظروف وتستقلوا بأنفسكم فلا تستعجلوا.

احذر من نزغات الشيطان الذي يوغر صدرك أكثر فأكثر نحو والدك ويوحي إليك بقتله، فماذا سيفيدك قتله؟! بل إن الذنب سيبقى يلاحقك، ولن تنعم أبداً، وستنقلب حياتك إلى جحيم في الدنيا والآخرة، فاستعذ بالله من الشطيان الرجيم.

أوصيك أنت وإخوتك ووالدتك أن توثقوا صلتكم بالله تعالى وتجتهدوا في تقوية إيمانكم، فالحياة الطيبة لا توهب إلا لمن آمن وعمل صالحا، كما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

الزموا الاستغفار، وأكثروا من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فذلك من أسباب تفريج الهموم، ففي الحديث (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

تضرعوا بالدعاء بين يدي الله تعالى أثناء سجودكم فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، وتحينوا أوقات الإجابة ومنها الثلث الأخير من الليل، ويوم الأربعاء ما بين الظهر والعصر، والساعة الأخيرة من يوم الجمعة قبل غروب الشمس، وسلوا الله تعالى أن يلهم والدكم الرشد، وأن يصلحه ويصلح أحواله، ولا تيأسوا من رحمة الله، ولا تنقطعوا عن الدعاء إن تأخرت الإجابة فسيأتي الوقت الذي يستجيب الله لكم.

أكثر ما يعانيه الناس من المصائب تكون بسبب ذنوبهم كما قال ربنا الكريم: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ).

ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، فأكثروا من الاستغفار والانكسار بين يدي الله تعالى، وأنا على يقين إن لجأتم إلى الله وأصلحتم ما بينكم وبينه فسيكون ذلك سبباً في تليين قلب والدكم، فقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.

لعل الله سبحانه يريد أن يجعل هذه المحنة رافعة لكم، وكفارة لذنوبكم، يقول صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه).

هذا البلاء مقدر ومكتوب عليكم، ولعلك تدرك أيها المبارك أن الرضا بالقضاء والقدر جزء من إيماننا، فقد ورد في الحديث: ( .... وأن تؤمن بالقدر خيره وشره من الله تعالى).

الجزاء يكون على قدر البلاء، فإن عظم البلاء عظم الجزاء، والابتلاء عنوان محبة الله للعبد، يقول عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ، وإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ، فمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ) فعليك أن ترضى بقضاء الله وقدره، وحذار أن تتسخطوا وإلا فالجزاء من جنس العمل.

عليكم بالصبر فعاقبته خير، يقول تعالى:(وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) فإن صبرتم فأبشروا بمعية الله وتأييده ونصره وتوفيقه، ويقول عليه الصلاة والسلام: (وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ).

اجتهدوا في البحث عمن يقبل والدكم نصحه، واطلبوا منه أن يقف بجانبه، ويأخذ بيده في مجال التعبد والذكر وإصلاح النفس، واطلبوا منهم ألا يشعروه بأنكم من طلب ذلك منهم؛ حتى لا يكون تأثير ذلك سلبياً عليكم.

اقتربوا من والدكم، وبروا به ولا تكثروا عليه من الطلبات؛ فذلك يسبب له الانزعاج، ويثير لديه الغضب.

اكظموا غيضكم، ولا تردوا عليه، وتخيروا الكلمات التي تكون سبباً في التأثير عليه، وتشعره بالأبوة، وتلين قلبه.

لا تجعلوا هذه الأحداث تتسبب في إيجاد حاجز بينكم وبين أبيكم، فالشيطان حريص على التفريق بين الوالد وولده، وكونوا أنتم المبادرين في الاقتراب، واستعينوا بالله واستعيذوا به من الشيطان الرجيم.

المؤمن يتقلب بين أجري الصبر والشكر، كما قال عليه الصلاة والسلام: (عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانْ خَيرًا لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانْ خَيرًا لهُ).

من الأفكار التي يمكن أن نساعدك بها أن هنالك مؤسسات تدعم الشباب في أخذ دورات اكتساب مهارات مثل: إصلاح الهواتف، واللحام، وغير ذلك من المهارات، بل وفي نهاية الدورات تعطي لكل من شارك في تلك الدورات الأدوات التي تمكنه من العمل، وما على الشاب بعد ذلك إلا أن يستعين بالله ويبدأ المشوار.

هنالك دورات لتعليم النساء الخياطة، وصناعة البخور، والعطور وغير ذلك من الدورات، وفي نهاية تلك الدورات تسلم لكل من حضرت أدوات المهنة، فابحثوا عن تلك المؤسسات والمنظمات التي تعتني بهذه الدورات واستعينوا بالله، ولا تعجزوا.

بتعلمكم لتلك المهن التي تجعلكم أحرارا في اختيار وقت العمل، مع مواصلة دراستكم ستصلون إن شاء الله إلى أهدافكم، وسيكفيكم الله شر التنازع والتصادم مع والدكم.

آمل أن تستفيد من هذه الموجهات، ونسعد بتواصلك في حال أن استجد أي جديد في قضيتك هذه أو غيرها، ونسأل الله تعالى أن يهدي والدكم ويلهمه الرشد إنه سميع مجيب.
------------------
انتهت إجابة د/ عقيل المقطري. مستشار العلاقات الأسرية والتربوية.
وتليها إجابة د/ مراد القدسي. مستشار العلاقات الأسرية والتربوية.
-------------------

مرحبا بك أخي الكريم، وكان الله في عونكم، والجواب على ما ذكرت.

بداية: مهما كانت الأسباب التي ذكرت عن الوالد -حفظه الله-؛ فإنه يبقى هو أبوك، وله حق عليك أنت وإخوانك من البر والإحسان والاحترام، ولا ينبغي أن تكرهه إلى هذه الدرجة من الكراهية، ولا تتكلم عليه بمثل ما ذكرت من الألفاظ، ومن باب أولى لا يجوز أبدا أن تفكر مجرد تفكير في أذية الوالد فضلا عن قتله، واستعذ بالله من الشيطان الرجيم، ولا تعد لمثل هذه الأفكار السلبية.

أما ما ذكرت عن شدة غضب الوالد؛ فأنا لا أدري كيف حالكم جميعا في البيت مع طاعة الله تعالى، وهل أنتم مقصرون أم لا؟ فإن كان هناك تقصير فاتقوا الله واعملوا على طاعته، ثم كيف تدين الوالد؟ وهل متدين؟ أو هل هو يعاني من مرض نفسي أو مس أو سحر؟ ابحثوا في الأسباب التي تجعله يغضب ويخاصم الجميع؛ فهذا أمر غير طبيعي.

ينبغي عليك أنت وإخوانك أن تصبروا على هذا الابتلاء الذي أنتم فيه، وعليكم بكثرة الدعاء للوالد بأن يصلح الله حاله.

ثم أنتم بحاجة إلى الجلوس مع الوالد ومناصحته برفق ولين، والشدة التي تقابلون بها الوالد غير لائقة، وهذا من العقوق، هداكم الله.

أما بالنسبة لموضوع النفقة عليكم؛ فلا بأس أن تبدأ بالبحث عن عمل يمكن أن تعين إخوانك وأختك المريضة، فأنت قد توفقت عن الدراسة وأصبحت متفرغاً، وإذا وجدت عملاً يمكن تستطيع أن تستغني عن النفقة من الوالد.

أخبر الوالدة -حفظها الله- أنها إذا استطاعت أن تأخذ من مال أبيك من أجل النفقة عليها وعليكم دون علمه وبما لا يقع ضرر عليها، فيمكن أن تأخذ بقدر الحاجة، كما أجاب بذلك النبي صلى الله عليه وسلم امرأة أبي سفيان حين قالت "إن أبا سفيان رجل شحيح، فهل علي جناح أن آخذ من ماله سرا؟ قال: "خذي أنت وبنوك ما يكفيك بالمعروف". رواه البخاري.

وفقك الله لمرضاته.

www.islamweb.net