والدي على فراش الموت وغاضب على زوجي، فكيف أوفق بينهما؟
2025-12-09 23:47:11 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هناك خلافات بيني وبين زوجي، ونحن في حكم المنفصلين، وأنا وبناتي نعيش حياة مستقرة، لكن والدي حزين جدًّا عليّ، وحاليًا والدي مريض على فراش الموت، وقد حاولت أن أحدثه ليُسامح زوجي، لكنه رفض تمامًا أن يسامحه، وحاولت إقناعه أن يراه، فرفض أن يقابله.
مع أنني فوضت أمري إلى الله، وزوجي يعاملنا باحترام، وينفق عليّ وعلى بناتي، ويزورهنَّ، إلَّا أن والدي ما زال حزينًا على هذا الوضع، وأنا أخشى أن يتوفى والدي وهو غاضب عليه.
فماذا أفعل؟ وهل إذا مات وهو غاضب عليه يكون غضبه مثل غضب الأب على أبنائه؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك -أختنا الكريمة- في إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يشفي والدك، وأن يصلح ما بينك وبين زوجك، وما بين زوجك ووالدك، وأن يرزقكم الحياة الطيبة المطمئنة، إنه سميع مجيب.
وردًا على استشارتك أقول، ومن الله أستمد العون:
أولًا: ما تعانينه أمر مقدر كتبه الله عليك، وينبغي أن تكوني مطمئنة، فقضاء الله كله خير، وإن كنت تشعرين بالألم والحزن؛ قال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}، وقال ﷺ: «قَدَّرَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلْقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ»، ولَمَّا «خلق الله الْقَلَمَ، قَالَ لَهُ: اكْتُبْ، قال: وَمَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»، وقال ﷺ: «كُلُّ شَيءٍ بِقضَاءٍ وَقدَرٍ، حَتَّى العَجزِ وَالكَيْسِ»، والكيس: الفطنة.
ثانيًا: حياة المؤمن تتقلب بين الفرح والحزن، والصفاء والتكدر، وهو يعيش بين مرتبتي الشكر والصبر، كما قال ﷺ: «عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ، إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ، وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمِنِ؛ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فكانتْ خَيرًا لهُ، وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فكانتْ خَيرًا لهُ».
ثالثًا: إن ما تعيشينه مفهوم ومشروع من مشاعر القلق والحزن، فاجتماع خلافك مع زوجك مع مرض والدك أمر يضغط على النفس كثيرًا، لكن –بإذن الله– الأمر أبسط مما تتخيلين، وليس عليك فيه ذنب ولا مؤاخذة، والمهم هو أن ترضي بقضاء الله وقدره ولا تتسخطي، وأن تكوني مطمئنة؛ إذ الحال لن يدوم، خاصة مع كثرة الدعاء، والدعاء والقدر يتصارعان، ولن يرد القدر إلا الدعاء، فقد ورد في الحديث: «لَا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلَّا الْبِرُّ، وَلَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ».
رابعًا: حكم غضب والدك على زوجك:
هناك أمر مهم يجب أن تعلميه وتكوني مطمئنة له، وهو أن غضب الوالد إنما يكون مؤثرًا من جهة الحقوق الشرعية على ولده مباشرة، أما زوجك فليس ابنًا لوالدك حتى يكون غضبه عليه مثل غضبه على أولاده؛ لأمور:
• زوجك غير مكلّف شرعًا ببرّ والدك، وإنما يُستحب له احترامه وحسن معاملته.
• رفض والدك مسامحته لا يجعل زوجك آثمًا، ولا يجعله داخلًا في باب العقوق.
• لو مات والدك وهو غير راضٍ عن زوجك، فلا يلحق زوجك إثمٌ من جهة غضب الوالد.
خامسًا: تساءلتِ: هل يلحقك ذنب بسبب غضب والدك على زوجك؟
والجواب: بما أنك قمتِ بما تقدرين عليه من الإصلاح، وبذلتِ جهدك في محاولة تقريب وجهات النظر، وحاولتِ إرضاء والدك، وأقنعتِ زوجك من أجل أن يتصالح مع والدك، واجتهدتِ في تقريب القلوب، ورغم ما بذلته رفض والدك؛ فلا يكلفك الله ما هو خارج عن إرادتك، وصدق الله إذ قال: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}.
غضب الوالد هنا نابع من غيرته عليك وخوفه على حياتك الزوجية، وهذا شعور طبيعي من الأب، ولا يُحمّلك شيئًا، غير أنه كان يتوجب عليه أن يصلح ما بينك وبين زوجك، ويبذل كل الأسباب من أجل ذلك.
سابعًا: ما الذي يتوجب عليك فعله الآن؟
1- استمري في بر والدك وإسعاده، وكوني بجانبه، وطمئنيه، وأخبريه أنك مستقرة، وأن أولاده بخير، وأنك راضية بما قدّره الله لك؛ فأحيانًا يكون غضب الوالد ليس بسبب الزوج؛ بقدر ما هو بسبب خوفه على ابنته.
2- لا تُجبري والدك على رؤية زوجك، فإجباره أو تذكيره بالأمر يزيد في ألمه النفسي ويجدد أحزانه، ويُستحب -إن وجدتِ الفرصة سانحة- أن تذكريه بالصلح، وليس ذلك واجبًا عليكِ، وقد فعلتِ ما تستطيعين.
3- ذكّري والدك بعبارات لطيفة عن فضل المسامحة، وذكّريه بقول الله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
4- لا تعلّقي مصيرك الروحي على موقف والدك من زوجك؛ فالإنسان يُسأل عن نفسه وعمله، وليس عن غضب غيره عليه دون ذنب.
ثامنًا: نظرة شرعية أسرية لحالتك مع زوجك:
بحسب وصفك لزوجك، فقد ذكرتِ أنه:
• يعاملكم باحترام.
• يصرف على البيت.
• يتابع أبناءه.
• ووجودكم مستقل ومستقر.
هذه في الحقيقة مؤشرات جيدة على نية الزوج وحرصه على أسرته، وقد يكون والدك فقط متأثرًا بما حصل من خلاف سابق ويريد لك الأفضل، وفي هذه الحال، إن لم يكن زوجك قد ظلم والدك بشيء، فيجب ألا تحملي في نفسك شيئًا على زوجك؛ لأنه لم يعتدِ على والدك، ولم يقصّر في حقك، فليس عليه شيء يُحاسَب عليه.
تاسعًا: ليطمئن قلبك اعلمي أن:
• زوجك لا إثم عليه إذا مات والدك وهو غضبان منه.
• أنتِ غير مؤاخذة، وقد فعلتِ ما عليك، والله يعلم نيتك وإصلاحك.
• غضب والدك ليس من نوع الغضب الذي يُخشى منه عقوبة كعقوبة غضب الأب على ولده.
• أهم واجب الآن هو بر والدك وتهدئة نفسه، وليس إجباره على رؤية زوجك.
• ما دام زوجك يعاملكم باحترام وينفق عليكم، فوجود الجفاء بينه وبين والدك لا يؤثر على علاقتك بربك، وعليك أن تسعي لمصالحة زوجك ولمّ شعث أسرتك، والله يوفقك لكل خير.
أخيرًا: نوصيك بتقوى الله تعالى، والمحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها، مع كثرة التضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى أن يصلح الله شأنك وحياتك، ونوصيك بكثرة الأعمال الصالحة، فذلك من أسباب جلب الحياة الطيبة، كما قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
نسأل الله لك التوفيق، ونسعد بتواصلك.