تغيرت طباع والد صديقتي بعد زواجه بأخرى، فهل هو سحر؟
2025-12-16 23:15:31 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
والد صديقتي كان يحب زوجته، وكذلك صديقتي وأهله يحبونه جدًا، لكنه تزوج امرأة أخرى، وكان لا يزال يفضل والدة صديقتي عليها، في مرة سافر إلى بلده، ثم عاد متغيرًا، يعامل صديقتي وأمها بسوء، ويتشاجر معهما دائمًا.
عرضوه على راقٍ شرعي، وقيل إنه مصاب بالسحر الأسود -على ما أظن- عن طريق مشروب تحضره ابنة زوجته الثانية، والأب رفض أن يُكمل العلاج؛ لأنه كان يتعرض لتشنجات، وقال الراقي الشرعي إنه أُصيب بسحر يصعب أن يخرج أو يُعالج بمجرد رقية عادية!
والد صديقتي يرفض العلاج، وأصبح قاسيًا معهم جدًا وغير متفهم، ولو قالوا له: "اذهب إلى راقٍ"، سيرفض، فماذا يفعلون؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بكِ -أختنا الكريمة- في إسلام ويب، وردًا على استشارتك أقول، ومن الله أستمد العون:
التعامل مع السحرة يُعد شرعًا من كبائر الذنوب، ولا يتعامل معهم إلا من ضعف إيمانه ولم يرضَ بما قسمه الله تعالى، وهذه المسألة تحتاج إلى نظرٍ شرعيٍّ متوازن يجمع بين الإيمان بالقدر، والاعتقاد الصحيح، وحسن التعامل، والأخذ بالأسباب المشروعة، دون إفراط أو تفريط، وسيكون ردي على استشارتك عبر نقاط.
أولًا: الموقف الشرعي من السحر وما يُقال عنه:
لا شك أن السحر حق ثابت شرعًا، قال الله تعالى: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾، وقد يصيب السحر الإنسان في دينه أو بدنه أو نفسيته أو علاقاته، ومن آثاره: تغيّر الطباع، القسوة، النفور من أهل البيت، والغضب غير المبرر، لكن يجب التنبيه إلى أمر مهم، وهو أنه ليس كل تغيّر في الإنسان سببه السحر؛ فقد يكون ضغطًا نفسيًا شديدًا، أو بسبب ذنب ومعصية، أو بسبب مرض نفسي أو عصبي، أو مشكلات أسرية أو في العمل، وغير ذلك.
مسألة السحر لا يجوز الجزم بها، ولا يُعتمد على كلام بعض الرقاة؛ كون بعضهم ليس عنده الخبرة الكافية، وتحميل كل مرض أو معاناة على مسألة السحر قد يزيد الأمر سوءًا؛ كوننا نعالج ما يعانيه الشخص بعيدًا عن السبب، ويدخل الناس في أوهام الوساوس، فيجب التأكد من أن تغيّر طباع الرجل ليس بسببٍ مرضيٍّ، وذلك من خلال عرضه على الأطباء المختصين، ومنهم الأطباء النفسيون، للتيقن من ذلك، فإن كان السبب عضويًا، فالطبيب المختص هو من يقرر له الدواء الذي يمكن أن يستفيد منه بإذن الله.
ثانيًا: حكم إجبار المريض على الرقية:
الرقية الشرعية نافعة -بإذن الله-، لكنها لا تُجدي نفعًا -غالبًا- إلا مع قبول المريض لها، ورضاه، واطمئنانه، ويقينه بأنها سبب شرعي، فإن كان الأب رافضًا للعلاج، فلا يجوز شرعًا إكراهه عليه، لا سيما إذا كان يتأذى أو يتشنج بشدة، ويخاف من تكرار ذلك، وقد قال بعض أهل العلم: (الرقية نفعها متعلّق بقبول القلب وتعلّقه بالله) قد يكون رفضه للرقية جزءًا لا يتجزأ من السحر إن ثبت أنه مسحور، وفي هذه الحال من الصعوبة إقناعه، بل قد تصدر منه تصرفات لا يُحمد عقباها.
ثالثًا: ماذا يجب على صديقتك وأمها فعله؟
1- الصبر والاحتساب؛ فما يفعله الأب -إن كان خارجًا عن طبعه السابق- فهو ابتلاء، والله تعالى يقول: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾، وليعلموا أن الأذى من الوالد -مع قسوته- لا يُسقط حقه في البر، لكنه يُخفف اللوم عن المتأذين به.
2- الاستمرار في البر والإحسان، ولو مع القسوة، قال تعالى: ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾، فكيف إذا كان الأذى دون الشرك؟
3- التحصّن الذاتي دون علمه أو موافقته؛ لا يُشترط لعلاج آثار السحر أن يُرقي الإنسان المصاب فقط، بل ينتفع بدعاء أهله له، ومن ذلك: قراءة سورة البقرة في البيت يوميًا أو كل ثلاثة أيام.
4- توجيهه برفق ولين، ليداوم على أذكار اليوم والليلة، ففي ذلك حصن حصين من جهة، وطمأنينة لقلبه من جهة أخرى، كما قال ربنا سبحانه: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾.
5- يُحث على أن يجعل لنفسه وردًا من القرآن بعد كل صلاة، ولو بمقدار ورقتين، فهذا يريّح باله ويطمئن قلبه، وسينعكس على سلوكياته -بإذن الله- وبطريقة هادئة يُحث على أن يجعل التلاوة للاستشفاء من كل داء، ثم يدعو بعد كل تلاوة ويمسح ما تيسّر من جسده.
6- يُكثروا له من الدعاء مع تحيّن أوقات الإجابة، فالدعاء نافع -بإذن الله تعالى- مما نزل ومما لم ينزل بالعبد، ففي الحديث: «الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة».
7- يمكنهم القيام برقيته -ولو بدون معرفته حتى لا يرفض- في البيت، وذلك بقراءة الفاتحة سبع مرات، وآية الكرسي ثلاث مرات، والمعوذتين والإخلاص ثلاث مرات، وقراءة آيات السحر، ثم ينفث الشخص بكفيه ويمسح على ما تيسّر من جسده، ويمكن رقية الماء الذي يشربه، وأن يرقى له في زيت زيتون -على سبيل المثال-، ويدهن به ما يُستطاع من جسده، أو في العسل والطعام الذي يتناوله، كل ذلك ينفع -بإذن الله-.
لا يجوز اتهام زوجته الثانية أو ابنتها دون أي بيّنة واضحة؛ فالاتهام بعمل السحر أمر خطير، ولا يجوز شرعًا إلا بدليل قاطع، وإلا كان من الظلم والبهتان، وربما زاد العداوة والقطيعة.
ما يتناقل بين الناس من أنه مصاب بالسحر الأسود، أو أنه لا يخرج من المسحور، من مبالغات عامة الناس، وفيه مبالغات وتهويل، وليس على ذلك أثارة من علم.
رابعًا: هل يستمر الأمل في شفائه؟
نعم، الأمل باقٍ، فالله تعالى يقول: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾، وكثير من الحالات –بحسب ما يذكره أهل العلم والتجربة– تتحسن مع الدعاء، والصبر، وطول النفس، حتى دون علم المريض أحيانًا.
والخلاصة:
- لا يجوز الجزم بأن ما في هذا الرجل سحر، ولا يُبنى عليه كل التصرفات.
- لا يُكره الأب على رقية يرفضها؛ لأنها قد لا تنفعه مع عدم وجود التصديق القلبي منه.
- عليهم أن يداوموا على الدعاء والتحصين والقرآن في البيت.
- عليهم أن يصبروا ويحتسبوا، ويواصلوا البر قدر المستطاع.
- عليهم أن يتجنبوا الخصومات مع زوجته الأخرى وابنتها، ويتجنبوا الاتهامات التي ليس عليها دليل.
- لا ييأسوا من رحمة الله، ويكثروا له من الدعاء في الثلث الأخير من الليل وأثناء السجود.
نسأل الله تعالى لهذا الرجل الشفاء، وأن يردّه إلى سابق عهده وأفضل، وأن يؤلف بين القلوب، ويكشف الضر، إنه سميع مجيب.