أضرار لحم الخنزير..والحكمة من تحريمه

2008-10-12 13:18:06 | إسلام ويب

السؤال:
لماذا لحم الخنزير محرم؟ ومن المعروف أنه يتسبب في أمراض، وعند إجابتي على أحد الأجانب أنه يتسبب في حدوث أمراض؛ أخبرني أنه يأكل لحم الخنزير طوال 20 سنة؛ ولم يحدث له شيء، وكذلك هناك أناس كثيرون ماتوا عند سن التسعين؛ وكانوا يأكلون الخنزير.




الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ Yasser حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن الله خلق الخلق ووضع الموازين التي تسير الكون بما فيه الانسان، وهو واسع العلم أحل لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث (( وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ))[الأعراف:157] وبعلمه العظيم بكل شيء أوجد الحكمة في ما أحل وما حرم، ولكن قد يقصر علم الإنسان ومعرفته المحدودة جداً أن يصل إلى الحكمة في مرحلة من المراحل تتكشف بعدها الحكم الربانية؛ ولذا فإننا كمسلمين وقبل كل شيء نؤمن بما جاء من عند الله ونقول: سمعنا وأطعنا.

وبنفس الوقت نسأل عن الحكمة ونبحث عنها حتى نزداد إيماناً ويقيناً وطمأنينة لما فرضه الله علينا بهذا التشريع السماوي، وفي نفس الوقت نتسلح بما اكتشفنا من الحكمة من هذا التشريع لمواجهة مثل هذا الموقف الذي واجهته أنت، فإن عجز علمنا في مرحلة من المراحل عن الوصول للحكمة الربانية فهو عجز منا وليس أنه لا توجد حكمة، وقد تأتي السنون القادمة بالاكتشافات التي تظهر الحكمة ونبقى على إيماننا أن ما أحل الله لنا ففيه الخير والمنفعة في الدنيا والآخرة، وما حرمه ففيه الضرر.

فقد يسأل سائل: ما الحكمة من الأكل باليمين، وليس هناك ضرر صحي من الأكل بالشمال، والاتيكيت الاجتماعي الغربي يتطلب أن نمسك الشوكة في الشمال والسكينة باليمين، ونشرب بالشمال، إلا أن علينا أن نعتز بما فرضه الله ورسوله علينا، ولا نغير سلوكنا إذا تواجدنا في مجتمع يأكل أهله بالشمال، فهم يحترموننا عندما نلتزم وبثقة بأصولنا، ونحن نزداد تقوى ويثبتنا الله على الإيمان كلما التزمنا بما أراد حتى في الأماكن التي لا يرانا أحد، وقد نشعر أن هناك إحراجاً مما نفعل أمام الناس، فالله كفيل أن يغير هذا الإحراج إلى موقف قوي لك.

نعود إلى لحم الخنزير، فلقد اكتشف العلم خلال العقود العديدة الأخيرة عن أمور كثيرة عن لحم الخنزير، وإن لم يحصل أي مرض للرجل الأجنبي الذي حاورته وللناس الكثيرين الذين يأكلون الخنزير وماتوا في التسعين؛ فإن العلم لا ينظر إلى حالة واحدة أو حالات قلائل، ومن ثم يعمم على جميع الناس ويقول: انظروا إلى هؤلاء لم يحدث عندهم المرض فإننا نستنتج علمياً أن أكل الخنزير لا يضر، فهذه ليست اللغة العلمية التي نناقش بها، فهناك مناهج علمية معروفة للبحث والاستنتاج من البحوث، ومن ثم التعميم وإظهار النسب من الناس الذين يتأثرون بالظاهرة المدروسة.

فالخنزير حيوان قذر رمّام وكسول، ويأكل النبات والحيوان والجيف والقمامة، كما يأكل فضلاته وفضلات غيره من الحيوانات، وهذا من أسباب قيامه بدور كبير في نقل العديد من الأمراض للإنسان.

ولحم الخنزير صعب الهضم لاحتوائه على نسبة عالية من الدهون أعلى من أي دهن حيوان آخر؛ ولذا يصاب آكلوه بأمراض أكثر من غيرهم، مثل الحصوات المرارية، وتصلب الشرايين، وأمراض القلب، وسأذكر لك بعض ما توصل إليه الباحثون عن لحم الخنزير:

1- يقوم الباحثون في ال 20 سنة الأخيرة بالربط بين تصرفات الإنسان وتفكيره وبين ما يأكل، وقد توصلوا إلى أننا نستطيع تغيير الكثير من التصرفات بتغيير وجبات الطعام، فقد وجد أن الناس الذين يتناولون طعاماً غير صحي فإنهم يرتكبون المخالفات القانونية أكثر من الذين يتناولون الطعام الصحي المعتدل، وقد وجد أنه في مراكز رعاية الأحداث أن زيادة الفواكه والخضار على حساب السكريات والمشروبات الغازية تجعلهم أكثر استجابة للقوانين، ووجد أن كثرة اللحوم في الطعام تجعل الإنسان أكثر غلظة وقسوة.

وكما تعلم فإن الخنزير يعيش ويتناول القاذورات، بالإضافة إلى أنه الحيوان الذي لا يهمه ما يفعله الذكور الآخرون من الخنازير بخنزيرته، فهو معدوم الغيرة، على عكس الحيوانات الأخرى الذي يدافع عن أنثاه، وهذا ما تراه في الغرب، فالغيرة ضعيفة بين الرجال على نسائهم، وترى امرأته إلى جانبه في الشاطئ وما سترت إلا القليل القليل من جسمها، ولا يتحرك له ساكن.

2- في الدراسات التي أجريت على الحيوانات وجد أن الحيوانات إن تم إطعامها بطعام فيه كميات كبيرة من الدهون المستخلصة من الخنزير أن هناك زيادة في نسبة سرطان القولون والثدي، وفي الإنسان وجد أن سرطان الثدي والقولون والثدي والبروستات والبنكرياس والرحم والمستقيم تزداد بزيادة الدهون، وكما تعلم فإن الخنزير يحتوي على كميات كبيرة من الدهون، والتي تتداخل مع اللحم، ويصعب جداً فصلها عنه.

ووجد أيضاً أن لحم الخنزير يحتوي على العديد من المواد المسرطنة.

3- أما الأمراض التي ينقلها الخنزير فهي كثيرة منها:
- حمرة الخنازير Swine erysipelas .
- حمى الخنازير Swine fever .
- ديدان التريخينا.
- الدودة الشريطية.
- الديدان الحلقية.
- الديدان المفلطحة.
- الحمى المالطية.
- السالمونيلا.
- الدرن الكاذب.
- الزحار.

والكثير من هذه الأمراض قد لا يمكن القضاء عليها بمجرد الطهو أو إدخاله في النار، وهناك العديد من الأمراض الأخرى التي ينقلها الخنزير كذلك.

فكما ترى فإن الأمر لا يقتصر على مرض واحد أو اثنين، وأن واحداً ممن يأكلونه أو أكثر لم يصَب فانظر إلى ما قد يحدثه من تغيرات في السلوكيات، وكثرة الدهون التي يحويها والتي تزيد نسبة حصول السرطانات التي ذكرناها.

وبالله التوفيق.

د/ محمد حمودة
========================

ولمزيد من الفائدة فقد تم تحويل السؤال على المستشار الشرعي فأفاد بالتالي:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يشرح صدرك وأن ييسر أمرك وأن يوفقك إلى طلب العلم الشرعي المبارك، وأن يثبتك على الحق، وأن يجعلك من الدعاة إليه على بصيرة، إنه جواد كريم.

بخصوص ما ورد برسالتك - أخي الكريم الفاضل – لماذا لحم الخنزير محرم والمعروف أنه يتسبب في بعض الأمراض – كما ذكرت – في بقية رسالتك؟

الواقع - أخي الكريم الفاضل – لو نظرت في دين الله - سبحانه وتعالى – أو إلى التكاليف الشرعية لوجدت أنها تنقسم إلى قسمين: تكاليف معقولة المعنى، وتكاليف غير معقولة المعنى.

ومعنى معقولة المعنى: أي العلة والحكمة فيها بيَّنة واضحة في كلام الله سبحانه، وأحياناً الله تبارك وتعالى يأمرك بتنفيذ معين ولا يبين لك لماذا أمرك بهذا ولماذا طُلب منك تنفيذ هذا الأمر بهذه الطريقة. وأحياناً ينهاك أو يمنعك من أشياء ويبين لك العلة من منعها، كما أخبر الله تبارك وتعالى بالنسبة للخمر والميسر، وذلك قال: (( قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ))[البقرة:219] هذا أولاً، وبعد ذلك (( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ))[المائدة:90] لماذا؟ (( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ ))[المائدة:91].. إلى غير ذلك.

وأحياناً الله تبارك وتعالى يحرم علينا شيئاً أو ينهانا عنه ولكن لا يبين لنا لماذا، ولذلك العبادة أو الطاعة في الأشياء غير المعقولة المعنى أعظم أثراً في إيمان العبد المؤمن من الطاعة في الأشياء المعقولة المعنى، فمعقولة المعنى التي يقبلها العقل، بمعنى الحكمة واضحة والدليل بيِّن.

أما غير ذلك أضرب على ذلك مثالاً، فالله تبارك وتعالى أمرك بالطواف حول الكعبة، فلماذا الطواف سبعة أشواط؟ أنت لا تدري؛ لأنه لم يورد شيئاً يبين ذلك، ولماذا نطوف على اليسار ولا نطوف على اليمين؟ في حين أن معظم التكاليف الشرعية تحث على اليمين وتثني عليه، هذا أيضاً لا يعملها إلا الله - سبحانه وتعالى جل جلاله - ولماذا يبيت الناس في مزدلفة؟ ولماذا يقف الناس في عرفات؟ ولماذا ولماذا؟.. هذه كلها في الحج كما تعلم كما يسمونها (عبادات غير معقولة المعنى).

ولماذا صلاة الصبح ركعتين وصلاة الظهر أربع كعات وصلاة العصر أربع كعات؟ ولماذا المغرب ثلاث ركعات والعشاء أربع ركعات؟ هذا أيضاً غير معقول المعنى.

ولماذا صلاة الصبح جهرية ولماذا صلاة الظهر سرية ولماذا صلاة المغرب والعشاء نصفها جهري ونصفها سري؟ هذه يسمونها عبادات غير معقولة المعنى.

فأنت أمرك الله تبارك وتعالى أن تطيعه في كل أمر من أوامره، سواء أكان المعنى معقولاً أو المعنى غير معقول، المعنى واضح أو المعنى غير واضح، بل إن طاعتك لله في الأشياء غير معقولة المعنى أقوى أثراً في زيادة الإيمان من الأشياء معقولة المعنى.

من هذه الأشياء - بارك الله فيك – لحم الخنزير، فالله تبارك وتعالى حرم علينا حلم الخنزير، ولكنه لم يبين لنا لماذا حرمه علينا، فبذلك نحن لسنا مطالبين أن نبحث عن علل أخرى، فأنت تقول أنه يسبب أمراضاً، أي أمراض؟ هذا الرجل الأجنبي الذي قال لك أنه يأكل لحم الخنزير منذ عشرين سنة ولم يحدث له شيء؟ احتمال يحدث له بعد ذلك، هذا وارد جدّاً، واحتمال أن هذه الأمراض لا تظهر إلا بعد فترة، واحتمال أنه لا يسبب أي أمراض فعلاً، ولكن الله حرمه سبحانه وتعالى.

ويقول هذا الأجنبي أن هناك أناساً ماتوا على رأس التسعين وهم يأكلون لحم الخنزير، وهذا معنى كلامه أنه طالت أعمارهم ولكنهم لم يتعرضوا لمشاكل كما يتعرض كثير من المسلمين الذين يموتون الآن في ريعان الشباب رغم أنهم لا يكلون لحم الخنزير.

إذن أنت تقول الخنزير: حرمه الله تبارك وتعالى فلماذا حرمه؟
أقول: إن الله لا يُسأل عما يفعل، فلابد أن هناك علة وحكمة ولكن الله لم يطلعنا عليها سبحانه وتعالى.

كذلك أيضاً في قوله تعالى: (( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ))[البقرة:275]، هذا كلام أهل مكة من الجاهليين المشركين، فقال الله - تبارك وتعالى - : {وأحل الله البيع وحرم الربا}، فلماذا حرم الربا؟

أولاً: الربا يكون في الأموال، ومن صاحب المال؟ صاحب المال هو الله، صاحب المال قال: هذه المعاملة حلال وهذه المعاملة حرام وهو جل جلاله لا يُسأل عما يفعل؛ ولذلك ينبغي علينا أن نقول: (( سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ))[البقرة:285].

إذن نحن غير مطالبين ببيان الحجج والعلل لكل أحد، وإنما نقول: هذا شرع الله الذي أمرنا الله تبارك وتعالى به، والله عز وجل لا يأمرنا بشيء إلا وفيه مصلحة لنا قطعاً، ولكن هذه المصلحة قد يُبينها لنا صراحة ونصّاً وقد يخفيها عنا ابتلاء وامتحاناً واختباراً، فالمطلوب مني ومنك فقط أن أقول: (إن لحم الخنزير محرم حرمه الله تعالى)، لماذا؟ أقول: (لأن الله حرمه)، لماذا حرمه؟ أقول: (إن الله جل جلاله لا يُسأل عما يفعل).

لأن هذا الكلام الذي قلته أنه يسبب أمراض رد عليك الرجل بأنه لا يسبب لديه أمراض وأن الناس قطعاً في أوروبا أفضل من ملايين الناس في مصر كما تعلم وهم يأكلون لحم الخنزير، فلو كان يسبب أمراضاً فعلاً لكان هذا الأمر واضحاً، قد يكون يسبب أمراضاً ولكنها ليست من النوع المنتشر وليست من النوع الشائع عندنا، وذلك عندهم أمراض نحن لا نعرفها، فقد يسبب مثلاً – كما قالوا – نوع من الفتور في الغيرة فتجد الرجل الذي يتعاطى ويأكل لحم الخنزير يفقد الغيرة على عرضه، ولكن هذا أيضاً ليس بإطلاق، فقد يكون هناك من يغار على عرضه وهو من الكافرين ويأكل لحم الخنزير.

إذن نقول: (هذا محرم لأن الله حرمه) وفقط، ما دام لم تبد هناك علة واضحة فنحن غير مطالبين أن نتكلف في البحث عن علل أو أن نأتي بعلل واهية حتى يرد الناس علينا كما رد عليك الآن هذا الرجل في قضية الأمراض من أنهم يأكلون لحم الخنزير من عشرات السنين ولم يصابوا بأي أمراض، فنحن نقول: (إن لحم الخنزير حرمه الله، ولم يبين الله علة التحريم، فنحن مسلمون مؤمنون ملتزمون بشرع الله تبارك وتعالى ولا نعرف أكثر من ذلك)، هذا في هذه المسألة وفي كل أمر سكت الله تبارك وتعالى عنه؛ لأنك لو أردت أن تقيم على كل عمل حجة عقلية ستجد أموراً كثيرة جدّاً ليس لديها أي دليل عقلي، وضربت على ذلك مثالاً في قضية الطواف وقضية السعي والوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ورمي الجمرات، كل هذه الأشياء العقل لا دخل له فيها، ورغم ذلك نحن نفعلها طاعة وقرباناً وتنفيذاً لأمر الله تعالى واتباعاً لهدي نبيه صلى الله عليه وسلم .

وهذا النوع من العبادات أقوى في زيادة الإيمان من العبادة المعقولة التي يوجد لها معنىً واضحاً تستطيع أن تنقله لغيرك.

هذا وبالله التوفيق.

www.islamweb.net