الفصام الذهني الحاد... الآثار وكيفية التعامل مع المريض

2009-10-19 08:53:19 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أخي فجأة بدا عدوانياً، وذهبنا إلى المستشفى وقال الدكتور إن لديه انفصاماً ذهانياً حاداً، وأعطاه 4 جلسات تردد مغناطيسي لمدة أسبوع، يوم جلسة وبعدها راحة، بعدها أعطانا 5 أنواع من الأدوية ليأخذها مرتين في اليوم، منذ أن رجع أخي من مستشفى أصبح كأخي الذي نعرفه منذ طفولته، حتى عيناه أصبحتا طبيعيتين، وكانتا منذ فترة حادتين وواسعتين عندما يفتحهما.

ومنذ أن قدم وهو لا يسأل عن الموبايل، ويريد أن يعمل ويسوق السيارة، وأيضاً منتظم في الدواء ويقول إنه يريد أن يشفى بالرغم أنه لا يعلم بأي مرض يعاني إلى الآن، فأريد أن أعرف هل من الممكن أن يعمل أخي في القريب؟ وإذا لم يمكن فما هي المدة التي يجب أن يجلس بدون العمل فيه؟ وهل التدخين مضر مع حالته الآن؟ وكيف نوقفه من التدخين؟

وأيضاً: هل من الممكن أن يسوق السيارة؟

سؤالي الأخير: هل من الممكن أن يشفى، وكيف تعرفون أنتم الأطباء أنه شفي؟


الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ملاك حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن الفصام الذهاني الحاد قد يظهر في شكل عنف وعدوان مفاجئ كما ذكرت، وهنالك أعراض أخرى قد تُوجد، منها: الأرق الشديد، وأن يلاحظ أن الإنسان كأنه في حالة من الحيرة من أمره، ويفتقد المريض غالباً الاستبصار، ويكون أيضاً غير مرتبط بالواقع، ويضطرب حكمه على الأمور، وربما توجد لديه أيضاً هلاوس، خاصة الهلاوس السمعية، بمعنى أنه ربما يسمع أصواتاً غير موجودة، وإن كان الكثير من المرضى ينكرون ذلك، قد توجد لديهم أيضاً شكوك وتوجس شديد حيال الآخرين، وقد تظهر لديهم أيضاً ما نسميه بضلالات التلميح أو الإشارة، وهذه تظهر في أن يصل الشك بالمريض إلى درجة أنه إذا شاهد أناسا يتكلمون يظن بهم السوء، ويعتقد أنهم يتحدثون عنه، وفي بعض الأحيان تأتيهم اعتقادات بأن مواضيع معينة تُشير إليهم وهم المقصودون بها، كأن يشاهد بعضهم برنامجاً معيناً في التلفزيون أو قرأ موضوعاً معيناً في صحيفة، يعتقد أنه هو المقصود بمحتوى ما شاهده أو قرأه.

عموماً هذه هي المؤشرات العامة لمرض الفصام، وهذه الأعراض قد توجد جميعها أو قد لا تُوجد، أي بمعنى أن تنحصر الأعراض في بعضها فقط، ولا شك أن الاضطرابات في التفكير وفي الوجدان -كما ذكرنا- هي من الأسس الرئيسية للفصام، وكذلك الاضطراب في التواصل الاجتماعي.

الحمد لله تعالى أن الأطباء قد قاموا بإجراء اللازم، وأعطي هذا الأخ أربع جلسات علاج كهربائي، والعلاج الكهربائي يعرف عنه أنه مفيد جدّاً في هذه الحالات الحادة، ولكنه لا يمنع الانتكاسة، والانتكاسة تُمنع عن طريق تناول الدواء، وقد أحسن الأطباء بأن وصفوا له العلاج الدوائي كعلاج داعم للعلاج الكهربائي، وفي ذات الوقت يُشكل هذا الدواء الأسس الرئيسية للمرحلة العلاجية الوقائية.

هذا موضوع مهم جدّاً وأريد أن أركز عليه، ونصيحتي الأساسية لكم هو أن يتابع هذا الأخ علاجه، ألا يتوقف عن الدواء، وهذا خطأ كبير يقع فيه الكثير من الناس، أي أن المريض حين يحس بأنه في صحة جيدة وكذلك الأهل حين يرونه قد أصبح في وضعه الطبيعي قد لا يشجعونه كثيراً على الاستمرار في الدواء، ويبدأ البعض يتذمر ويقول إن هذه الأدوية إدمانية لماذا يتناولها كل هذه المدة؟ وهكذا!

الذي نقوله إن المريض غالباً لا يكون مستبصراً بطبيعة مرضه، ولكن من وسائل التشجيع للاستمرار هو أن تُشرح له حالته، ويجب أن يتم هذا عن طريق الطبيب وليس عن طريق شخص آخر.

الطبيب يستطيع أن يشرح له طبيعة الحالة بلغة مبسطة ومحببة، تجعل قناعته للعلاج الوقائي تزداد جدّاً.

هذا الأخ يجب أن يعامل معاملة عادية، لا نجرده أبداً من وظائفه الاجتماعية والحياتية بصفة عامة، يتطلب بالطبع شيئاً من المساندة والمؤازرة والتشجيع على تناول الدواء.

التدخين لا شك أنه مضر بصفة عامة، ولا أستطيع أن أقول إنه يشكل ضرراً خاصاً على هذا الأخ، بمعنى أنه لا علاقة له بمرضه، ولا يؤثر على الدواء ولا على المسارات العصبية، وكذلك الموصلات العصبية الموجودة في الدماغ والذي يُعتقد أن اضطرابها هو سبب المرض، ولكن بصفة عامة يُعرف أن المرضى الذهانيين يميلون كثيراً للتدخين، وذلك نسبة لافتقاد بصيرتهم.

أعتقد أنه يمكن أن يتوقف عن التدخين بإرشاده، بنصحه، برفع مستوى وعيه عن أضرار التدخين، ولا أنصح أبداً أن يعامل بشدة أو قسوة في هذا السياق، باللطف وبالتدرج وبالتناصح - إن شاء الله تعالى – يتوقف عن التدخين.

هنالك بعض الأدوية التي تساعد في التوقف عن التدخين، مثل الدواء الذي يعرف باسم (زيبان Zyban)، كما أن هنالك لصقاً معينة للنوكتين تلصق على الجلد تساعد بعض المرضى في الحد من الآثار الانسحابية للتدخين، مما يشجع بعض المرضى على التوقف عن التدخين، كما أن ممارسة الرياضة أيضاً تساعد.

هذا الأخ يمكنه أن يعمل ولا شك في ذلك، والعمل حقيقة يساعده كثيراً؛ لأن العمل هو وسيلة من وسائل التأهيل، وسيلة من وسائل بناء المهارات في جميع قطاعات ومتطلبات الحياة، فقط ننصح له بعمل لا تكون فيه ضغوطات كثيرة؛ لأن الضغوطات الكثيرة وزيادة الاستشعار النفسي بالإنسان ربما تؤدي إلى انتكاسات مرضية أخرى.

الذي أنصح به هو مواصلة العلاج إلى أن يقول الطبيب إنه لا داعي بعد ذلك لتناول الدواء، وبالطبع لكل طبيب منهجه وفلسفته في طريقة ومدة العلاج الوقائي، وفي نهاية الأمر - إن شاء الله تعالى – كلها تصب في مصلحته.

موضوع سواقة السيارة، فهذا أمر حقيقة يختلف عليه الناس، ولكن الحكم الأساسي هو إذا كان المريض في حالة جيدة، وأصبح مستبصراً ومرتبطاً بالواقع، ولا يُسرع، وله الوعي التام أو المعقول في مخاطر القيادة السريعة وضرورة الانتباه، فلا بأس أبداً في أن يقود سيارته، ولا ننصح له بالقيادة الليلية، وإذا كان الدواء يؤدي إلى أي نوع من النعاس الزائد أو زيادة في الاسترخاء، فهنا يجب أن يتجنب قيادة السيارة في الأوقات التي يتناول فيها الدواء.

بالنسبة للشفاء نحن نقول أن حوالي خمسين بالمائة من هذه الحالات الحادة يتم شفاؤها، بشرط أن يكمل المريض مدة العلاج، أما الخمسون بالمائة الأخرى فقد تأتيهم انتكاسات، وحتى الانتكاسات يمكن أن تُعالج، ولكن سيكون من الضروري أن يتناول المريض الدواء لمدة طويلة قد تمتد لسنوات.

الشفاء يُعرف باختفاء الأعراض تامة، والشفاء أيضاً من مؤشراته أن يعيش الإنسان حياة طبيعية مستقرة متوائمة، وأن يقبل نفسه والآخرين، ولا تظهر عليه أي علامات من علامات الإعاقة النفسية.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، وأسأل الله تعالى له الشفاء والعافية، والتوفيق والسداد.

www.islamweb.net