الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم التطهر بما ولغ فيه كلب أو خنزير، وما الأشد نجاسة منهما؟

السؤال

في درس في المسجد يشرح الإمام حديثًا للنّبيّ صلى الله عليه وسلّم، من كتاب الإمام ابن حجر العسقلاني، بلوغ المرام، عن أحكام الوضوء، وبالضبط فيما يتعلّق بنواقضه، ويقول: الماء الذي شرب منه خنزير، أو كلب يصلح للوضوء، ويقول كذلك بأنّ نجاسة الكلب أكثر وأخبث من نجاسة الخنزير، فأفيدونا - جزاكم الله خيرًا -.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فما قاله ذلك الإمام - إن صحت نسبته إليه - من جواز التطهر بما ولغ فيه كلب، أو خنزير، قال به بعض أهل العلم، فالمالكية يرون طهارة لعاب الكلب والخنزير, وأن من توضأ مما ولغ فيه الكلب، وصلى، صحت صلاته، وأن الأفضل أن لا يتوضأ به.

جاء في مواهب الجليل للحطاب المالكي - رحمه الله تعالى -: (أَوْ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ): يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ الْيَسِيرَ إذَا وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ، فَإِنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا خَصَّهُ بِالذَّكَرِ، وَلَمْ يَكْتَفِ بِعُمُومِ قَوْلِهِ بَعْدُ: وَمَا لَا يَتَوَقَّى نَجِسًا مِنْ مَاءٍ؛ لِأَنَّ سُؤْرَ الْكَلْبِ أَخَفُّ مِنْ سُؤْرِ غَيْرِهِ مِمَّا لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَكَانَ يَرَى الْكَلْبَ كَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، لَيْسَ كَغَيْرِهِ مِنْ السِّبَاعِ، وَنَقَلَهُ سَنَدٌ بِلَفْظِ: وَالْكَلْبُ أَيْسَرُ مُؤْنَةً مِنْ السِّبَاعِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَى مَنْ تَوَضَّأَ بِفَضْلَةِ سُؤْرِهِ، وَصَلَّى، عَلَى الْمَشْهُورِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ فِيهَا: قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ قَدْ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ، وَصَلَّى، أَجْزَأَهُ، قَالَ عَنْهُ عَلِيٌّ: وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَلِمَ فِي الْوَقْتِ، وَقَالَ عَنْهُ عَلِيٌّ، وَابْنُ وَهْبٍ: وَلَا يُعْجِبُنِي ابْتِدَاءُ الْوُضُوءِ بِهِ إنْ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا، وَلَا بَأْسَ بِهِ فِي الْكَثِيرِ، كَالْحَوْضِ، وَنَحْوِهِ ... اهــ.

والخنزير عندهم أخف من الكلب في المشهور من المذهب، فلا يلحق بالكلب في إراقة ما ولغ فيه، ولا بغسل الإناء سبعًا.

كما جاء في أسهل المدارك: لا غسل، ولا إراقة بولوغ الخنزير على المشهور في المذهب، وفي الحطاب: يعني أن الغسل خاص بالكلب، فلا يغسل الإناء من غيره، وهو الظاهر من المذهب ... اهــ.

وقالوا أيضا: وَالطَّاهِرُ: الْحَيُّ، أَيُّ حَيٍّ بَحْرِيًّا كَانَ، أَوْ بَرِّيًّا، وَلَوْ خُلِقَ مِنْ عَذِرَةٍ، أَوْ كَلْبًا، أَوْ خِنْزِيرًا، وَدَمْعُهُ الَّذِي سَالَ مِنْ عَيْنِهِ، وَعَرَقُهُ الَّذِي رَشَحَ مِنْ جِلْدِهِ ... وَلُعَابُهُ الَّذِي سَالَ مِنْ فَمِهِ فِي يَقَظَةٍ، أَوْ نَوْمٍ ... اهــ.

ولكن الجمهور على خلاف هذا، وأن لعاب الكلب، ولعاب الخنزير نجس, وإذا ولغ في ماء يسير تنجس، ولا يُتطهر به؛ وانظر الفتوى رقم: 130031 عن الأدلة على نجاسة لعاب الكلب والخنزير, والفتوى رقم: 136009 عن مذاهب الأئمة في سؤر الحيوان، والفتوى رقم: 158389 عن أقوال العلماء حول نجاسة الخنزير.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني