الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب الفقهاء في تأقيت الوقف، وكون الموقوف عليه منقطع الانتهاء، وزكاة المال الموقوف

السؤال

أنا ابن ذكر، وحيد، متزوج، ولي أولاد ذكور، أفكر في إيقاف جزء من ممتلكاتي من الآن، ويكون عائدها للصرف على والديَّ حتى مماتهما، وأخواتي البنات حتى زواجهما، فإن توفي والديَّ، وتزوجت أخواتي البنات؛ فإما أن يخرج العائد كصدقة جارية، أو يرجع لورثتي بعد مماتي.
وهل يصلح أن يكون الوقف موقوفاً بشرط، فإذا تحقق الشرط انتهى الوقف؟ وهل هناك زكاة على الوقف؟ فهل هذا جائز شرعاً؟
هل يصلح الوقف على أهلي؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فمسألة الاشتراط في الوقف وتأقيته محل خلاف بين أهل العلم، وكذلك الوقف على جهة منقطعة كالوالدين.

جاء في الموسوعة الفقهية: اختلف الفقهاء في تأقيت الوقف، فذهب الحنفية والشافعية - في الصحيح عندهم - والحنابلة - في أحد الوجهين - إلى أن الوقف لا يقبل التأقيت، ولا يكون إلا مؤبدا. وذهب المالكية والشافعية - في مقابل الصحيح عندهم والحنابلة على الوجه الآخر - إلى جواز تأقيت الوقف، ولا يشترط في صحة الوقف التأبيد، أي كونه مؤبدا دائما بدوام الشيء الموقوف، فيصح وقفه مدة معينة ثم ترفع وقفيته، ويجوز التصرف فيه بكل ما يجوز التصرف به في غير الموقوف. اهـ.
وإذا كان الموقوف عليه منقطع الانتهاء، كمن وقف على والديه، أو على أولاده ولم يذكر عقبهم، أو على أخواته الفقيرات أو غير المتزوجات، فأيضا محل خلاف وتفصيل بين أهل العلم.

جاء في الموسوعة الفقهية: فعند الحنفية يشترط أن يجعل آخر الوقف لجهة لا تنقطع، أي أنه لا بد أن ينص على التأبيد، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد، وهذا في غير المسجد، وعند أبي يوسف روايتان: الرواية الأولى: أن التأبيد غير شرط، ولو سمى جهة تنقطع كما لو وقف على أولاده ولم يزد، جاز الوقف، وإذا انقرضوا عاد إلى ملكه لو حيا، وإلا فإلى ملك الوارث.
والرواية الثانية أن التأبيد شرط حتى تصرف الغلة بعد الأولاد إلى الفقراء.
والمالكية يفرقون بين الوقف المؤبد والوقف المؤقت. فبالنسبة للوقف المؤبد إذا انقطعت الجهة الموقوف عليها رجع الوقف لأقرب فقراء عصبة المحبس نسبا ويكون وقفا عليهم ... وإن كان الوقف مؤقتا كمن وقف على شخص أو أكثر وقيده بحياتهم أو حياة فلان أو قيد بأجل كعشرة أعوام، فإن من مات منهم فنصيبه لبقية أصحابه، فإذا انقرضوا رجع ملكا لربه أو لوارثه إن مات، فإن لم يقيد بشيء وأطلق فيرجع بعد انقراض جميعهم مرجع الأحباس على الأصح، وهو رواية المصريين عن مالك ومنهم ابن القاسم وأشهب. ومقابل الأصح رجوعه ملكا للواقف أو لوارثه وهو رواية المدنيين. وإذا رجع مرجع الأحباس فإنه يكون كالوقف المؤبد أي لأقرب عصبة المحبس ولامرأة لو فرضت ذكرا عصبت كالبنت، فإن لم يكن عصبة أو انقرضوا فللفقراء.
وعند الشافعية لهم رأيان، الأول وهو الأظهر: صحة الوقف لأن مقصود الوقف القربة والدوام، وإذا بين مصرفه ابتداء سهل إدامته على سبيل الخير. والثاني: بطلان الوقف لانقطاعه. وعلى الأظهر فإذا انقرض المذكور فلهم رأيان: فالأظهر أنه يبقى وقفا.
والثاني: يرتفع الوقف ويعود ملكا للواقف أو وارثه إن مات.
وعند الحنابلة يصح الوقف ويصرف بعد من يجوز الوقف عليه إلى ورثة الواقف نسبا حين الانقطاع على قدر إرثهم، ويكون وقفا عليهم فلا يملكون نقل الملك في رقبته. انتهى.
وعلى ذلك فشرط السائل أن تصرف غلة الوقف بعد والديه وأخواته، في صدقة جارية، أو رجوعها لورثته بعد مماته: صحيح في قول معتبر لأهل العلم. وعليه أن يوثق ذلك بطريقة شرعية في الدوائر الرسمية أو عند القاضي الشرعي.
وأما هل تجب الزكاة في الموقوف؟ فالمال الموقوف لا زكاة فيه عند الحنفية والشافعية لأنه خرج عن ملك الواقف، ومن شروط الزكاة أن يكون المال ملكاً لصاحبه، والعين الموقوفة خرجت من ملك صاحبها، وعند المالكية تجب زكاة المال الموقوف على الواقف لأنه باق على ملكه، وعند الحنابلة إن كان الوقف على غير معين كالمساجد والفقراء فلا زكاة في المال الموقوف، وإن كان على شخص معين كزيد فالزكاة واجبة عليه في الموقوف لأنه انتقل إلى ملكه.

جاء في الموسوعة الفقهية: زَكَاةُ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ يَنْبَنِي عَلَى اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي مِلْكِ رَقَبَةِ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ، فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الأْصَحِّ لاَ زَكَاةَ فِيهَا ... وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَكُونُ الْمَوْقُوفُ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ، وَعَلَى ذَلِكَ فَزَكَاتُهُ عَلَى الْوَاقِفِ .... وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنَّ الْمِلْكَ فِي الْمَوْقُوفِ يَكُونُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا كَزَيْدٍ مَثَلاً فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْمَوْقُوفِ مِنْ إِبِلٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ سَائِمَةٍ، لأِنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِل لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ أَشْبَهَ سَائِرَ أَمْلاَكِهِ، وَاخْتَارَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ عَدَمَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ لِضَعْفِ الْمِلْكِ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ مَثَلاً فَلاَ تَجُبِ الزَّكَاةُ فِي الْمَوْقُوفِ... اهـــ
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: الوقف إذا كان عقاراً فإنه لا زكاة فيه؛ لأن هذا الوقف ليس ملكه تاماً، ولذلك لا يجوز للموقوف عليه أن يتصرف فيه بالبيع أو الهبة، بل ولا الرهن، وهذا لا إشكال فيه، لكن بقي إذا كان الوقف على جهة بر وله مغل كثير فهل في مغله زكاة؟ والجواب لا ليس فيه زكاة؛ لأنه ليس له مالك معين، ومن شروط وجوب الزكاة: أن يكون للمال مالك معين. اهــ.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني