الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عُقِد لها على مُدَخِن عاقٍّ لأمه مُضَيِّع للصلاة فهل تطلب الطلاق؟

السؤال

أنا فتاة أحب الدين والالتزام، وأحافظ على الصلاة، وطالبة دكتوراه، وقد تقدمت بطلب لإكمال دراستي في دولة أخرى يعيش بها أخي، إلى جانب كون مهنتي التدريس، وفي إحدى جلسات المراقبة في امتحان الثانوية، كان معي في المراقبة أستاذ، وبدأ بالتحدث معي عن شؤون المراقبة والطلاب، ثم طلب ذلك الشاب رقمي بهدف الخطبة، وأخبرته أني أريد السفر، وأن سفري قريب، وكان موعد مقابلتي بعد يومين، فطلب الشاب القدوم لبيتنا، والتحدث مع والدي على عجل؛ كي يتم موضوع الخطبة، وعقد القِران قبل سفري، وبالفعل جاء الشاب وحده، وقال: إن عائلته تسكن في محافظة أخرى، ولأن الموضوع كان على عجل، أراد الشاب ووالدي إتمام إجراء كتب الكتاب في اليوم التالي، وبعد كتب الكتاب تأخر سفري، وحينها سألت الشاب عن عائلته، وإن كانوا يستطيعون القدوم لزيارتنا، فارتبك، وتبين لي فيما بعد أن هذا الشاب على خلاف مع عائلته، وأنه لم يذهب لزيارة والدته منذ ثمانية أشهر، وهي في نفس البلد، إلى جانب كونه مدخنًا، وشعرت أنه لا يحافظ على الصلاة في وقتها، بمعنى أنه يستهين بأوقات الصلاة - رغم أني في البداية كنت قد سألته عن صلاته، وقال: إنه يصلي -، وبدأت أشعر بالحيرة في أمري، وشعرت أني قد استعجلت، بل تورطت في خطبتي، وعقد قِراني من هذا الشاب، وتحدثت معه بكل صراحة، وأخبرته أني لا أتزوج من عاق، وحينها توتر، وقال لي: "لو كنت سأدخل الجنة بسبب أهلي؛ فلا أريدها"، وعندما شعر أني سأتركه، تراجع، ووعدني أن يحضر أهله لزيارتنا، وأنه سيجعل والدته تحدثني، وتحدثت في اليوم التالي مع والدته باتصال هاتفي، وأخبرتني أنها راضية عنه، لكني ما زلت خائفة، هل هي حقًّا راضية عنه؟ وأنا لم أعد أحبه، وأشعر بحيرة شديدة، بل أنا عاجزة عن تصديقه، ولكني أشعر بالذنب تجاهه؛ لأنه يحبني كثيرًا، وكلما شعر ببعدي عنه، ينهار، فبماذا تنصحونني: هل أتركه، أم أستمر معه؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا شك في أنكِ استعجلتِ في أمر كان ينبغي الأناة فيه؛ لأن الزواج مشوار طويل، تعتريه كثير من العوائق، التي تقتضي اتخاذ الأسباب، التي يمكن أن تجتاز بها كل الصعاب؛ لتكون الحياة مستقرة.

ومن أهم هذه الأسباب: حسن الاختيار، وتحرِّي صاحب الدِّين، والخُلُق، فإنه أرجى لأن يُكْرِم زوجته، ويعرف لها حقّها، ويتغاضى عن زلاتها، روى الترمذي عن أبي حاتم المزني -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا جاءكم من ترضون دينه، وخلقه، فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد»، قالوا: يا رسول الله، وإن كان فيه؟ قال: «إذا جاءكم من ترضون دينه، وخلقه، فأنكحوه»، ثلاث مرات. وجاء في الأثر عن الحسن البصري أنه أتاه رجل، فقال: إن لي بنتًا أحبها، وقد خطبها غير واحد، فمن تشير عليّ أن أزوجها؟ قال: زوِّجها رجلًا يتقي الله، فإنه إن أحبّها، أكرمها، وإن أبغضها، لم يظلمها. أورده البغوي في شرح السنة.

والصلاة هي عماد الدين، فمن ضّيعها، فهو لما سواها أضيع، فإن كان مفرّطًا فيها، فلا يستغرب منه أن يكون عاقًّا لأمّه، أو أنه يدخّن، ونحو ذلك.

وعلى كل؛ فإن تاب إلى الله عز وجل من ذلك كله، واستقام، وحسنت سيرته، فذاك، وإلا فاطلبي منه الطلاق؛ فإنه إن أصرّ، ولم يتب، فلا خير لك في البقاء في عصمة مثله، والفسق من مسوّغات طلب الطلاق، كما بينا في الفتوى: 37112.

والطلاق قبل الدخول، أهون من أن يتم الدخول، ويولد الأولاد؛ فتكون أضرار الفراق عندها أكبر.

ولا تلتفتي إلى كونه يحبك، فذلك قد لا يفيدك شيئًا إن تم الزواج، وهو على حاله من الانحراف.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني