الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سماع الموتى لكلام الأحياء

السؤال

صديقي يقول: (الموتى لا يسمعون كلامًا على الإطلاق)، أي أنه لا يسمع ما يحدث في بيت أطفاله، وما يقولون؛ لأنه بذلك يصير سميعًا، ولا تخصيص -لا من قريب، ولا من بعيد-، حتى ولو كان واقفًا عند قبره، فإذا كان بعد الدفن، فيكون السماع لقرع نعالهم فقط، أصحيح قول صديقي؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن مسألة سماع الموتى لكلام الأحياء، محل خلاف مشهور بين العلماء، قال ابن رجب في كتاب: أهوال القبور: أما سماع الموتى لكلام الأحياء: ففي الصحيحين عن أنس، عن أبي طلحة، قال: لما كان يوم بدر، وظهر عليهم نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر ببضعة وعشرين، وفي رواية: أربعة وعشرين رجلًا من صناديد قريش، فألقوا في طوى من أطواء بدر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أبا جهل بن هشام، يا أمية بن خلف، يا عتبة بن ربيعة، يا شيبة بن ربيعة: أليس قد وجدتم ما وعد ربكم حقًّا؟ فإني وجدت ما وعد ربي حقًّا. فقال عمر: رسول الله، ما تكلم من أجساد لا أرواح فيها، فقال: والذي نفسي بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم.

وقد أنكرت عائشة ذلك -كما في الصحيحين-، عن عروة، عن عائشة أنها قالت: ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنهم ليسمعون الآن ما أقول، وقد وهم -يعني ابن عمر- إنما قال: إنهم ليعلمون الآن ما كنت أقول لهم إنه حق، ثم قرأت قوله: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى}، {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ}.

وقد وافق عائشة على نفي سماع الموتى كلام الأحياء طائفة من العلماء، ورجّحه القاضي أبو يعلى من أصحابنا في كتاب: الجامع الكبير له، واحتجوا بما احتجت به عائشة، وبأنه يجوز أن يكون ذلك معجزة مختصة بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره، وهو سماع الموتى كلامه.

وذهب طوائف من أهل العلم -وهم الأكثرون- وهو اختيار الطبري، وغيره، وكذلك ذكره ابن قتيبة، وغيره من العلماء. وهؤلاء يحتجون بحديث القليب، كما سبق، وليس هو بِوَهْمٍ ممن رواه، فإن ابن عمر، وأبا طلحة، وغيرهما ممن شهد القصة حكياه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعائشة لم تشهد ذلك.

وأما أن ذلك خاص بكلام النبي صلى الله عليه وسلم، فليس كذلك، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، إنه ليسمع قرع نعالهم.

وأما قوله: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل:80]، وقوله: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:22]، فإن السماع يطلق ويراد به إدراك الكلام وفهمه، ويراد به أيضًا الانتفاع به، والاستجابة له، والمراد بهذه الآيات نفي الثاني دون الأول. اهـ. باختصار.

والذي نرى رجحانه من هذه الأقوال هو أن الميت يسمع في الجملة كلام الحي، لكن لا يلزم أن يكون السمع له دائمًا، بل قد يسمع في حال دون حال، كما سبق في الفتوى: 4276.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني