الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من أدرك تكبيرة الإحرام أربعين يومًا، فهل يعصم من النار لو قصّر في الصلاة بعد ذلك؟

السؤال

جاء في الحديث: "أن من صلى أربعين يومًا في جماعة، يدرك تكبيرة الإحرام الأولى، كتبت له براءتان: براءة من النفاق، وبراءة من النار"، فهل سيعصمه الله من النفاق، والنار بقية حياته، وإن طال عمره، وإن لم يواظب بعدها على الصلاة بنفس الكيفية؟ وهل ستكون هذه الفترة القصيرة سببًا في دخوله الجنة بالعصمة من النار؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فاعلم أن من تلبيس الشيطان على الإنسان أن يحمله على التهاون في الصلاة؛ بزعم أنه صلّى أربعين يومًا في جماعة يدرك تكبيرة الإحرام، وأنه كتبت له البراءة من النفاق، ومن النار.

وهذا الاغترار ليس من شأن عباد الله الصالحين، فعباد الله الصالحون لا يفرّطون في فرائض الله؛ اتّكالًا على أعمال صالحة قدّموها!! بل يعبدون الله تعالى، ويتقرّبون إليه، ومع ذلك يخافون أن لا يتقبلها الله منهم؛ لظنهم بأنهم قصّروا فيها، وقد أثنى الله تعالى على عباده المؤمنين بهذا الخوف، فقال -عز وجل-: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ {المؤمنون:60}، قال الحسن: عملوا -واللهِ- بالطاعات، واجتهدوا فيها، وخافوا أن ترد عليهم. اهـ. فهذه صفة أهل الإيمان: يخافون أن ترد أعمالهم، لا أن يغتروا بها.

ثم إن الحديث الوارد في تلك البراءة، وهو ما رواه الترمذي من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ، يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الأُولَى، كُتِبَ لَهُ بَرَاءَتَانِ: بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ، وَبَرَاءَةٌ مِنَ النِّفَاقِ.

وهذا الحديث مختلف في ثبوته: فمنهم من ضعَّفه، ومنهم من حسَّنه، وممن ضعَّفه الترمذي نفسه، كما قال الحافظ ابن حجر في التحبير، فقد قال -رحمه الله-: رواه التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَضَعَّفَهُ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَاسْتَغْرَبَهُ.

قُلْت: رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، عَنْ عُمَرَ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَأَشَارَ إلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ، وَهُوَ فِي سُنَنِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْهُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا، مَدَارُهُ عَلَى إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ فِي غَيْرِ الشَّامِيِّينَ، وَهَذَا مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ مَدَنِيٍّ، وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ فِي الْعِلَلِ، وَضَعَّفَهُ.. إلخ.

ولو صح الحديث؛ فإنه لا يقال بما ذكرته في السؤال من أنه لو لم يحافظ على الصلاة بعد ذلك يكون قد سلم من النفاق ويدخل الجنة، لأنه لو كتبت له البراءة من النفاق، فهذا يعني أن الله تعالى سيجنّبه أعمال المنافقين، ومن أعمالهم التهاون في شأن الصلاة، قال صاحب «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح»: كُتِبَ لَهُ بَرَاءَتَانِ: بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ، أَيْ: خَلَاصٌ وَنَجَاةٌ مِنْهَا، يُقَالُ: بَرِئَ مِنَ الدَّيْنِ وَالْعَيْبِ: خَلُصَ (وَبَرَاءَةٌ مِنَ النِّفَاقِ): قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ: يُؤَمِّنُهُ فِي الدُّنْيَا أَنْ يَعْمَلَ عَمَلَ الْمُنَافِقِ، وَيُوَفِّقُهُ لِعِمل أَهْلِ الْإِخْلَاصِ، وَفِي الْآخِرَةِ يُؤَمِّنُهُ مِمَّا يُعَذَّبُ بِهِ الْمُنَافِقُ، وَيَشْهَدُ لَهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُنَافِقٍ. اهــ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني