الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زواج الرجل من المرأة التي تكلّم عنها أمام أصدقائه

السؤال

أنا شاب مقبل على الزواج من امرأة أحببتها منذ فترة طويلة، وأعاني من كثرة التفكير والوسوسة في أمور من الماضي، فالمرأة التي أحببتها كنت على علاقة محرمة معها لمدة 4 سنوات، ولكني -ولله الحمد- تبت من الخلوة بها، ولا زلت أتواصل معها عن طريق الهاتف فقط؛ فقد اتفقنا أن تكون العلاقة عبر الهاتف فقط؛ حتى يجمعنا الله تعالى على سنة الله ورسوله.
وقد تكلّمت المرأة التي أحبها عن ماضيها بكل صراحة، وأخبرتني أنها كانت مع شخص آخر قبلي، وأنها كانت تختلي به، ولا أعلم التفاصيل، ولا أريد أن أعلمها، وقلت في نفسي: عفا الله عما سلف، وسأحاول أن أتناسى، ولكني -مع الأسف الشديد- أخبرت أصدقائي المقربين مني أنها كانت على علاقة بشخص آخر قبلي، وأنها كانت تختلي به، وتكلّمت في شرفها، مع أن نيتي كانت الزواج منها منذ البداية، ولكني كنت أريد أن أبوح بما في قلبي لأحدهم، وهذا ما يشعرني بالخجل والخزي كل ما رأيتهم، ويؤنبني ضميري دائمًا، وألوم نفسي، فلو أنني كتمت الشيء؛ لما تعذبت بالتفكير النفسي والضغط النفسي بين فترة وفترة، ولا أعرف كيف سيكون شعوري لو علموا أني سأتزوج بها، مع العلم أنني أحبها، وكنت أقول في نفسي: هذا ماضيها، ولا أستطيع محاسبتها، وفكّرت ألف مرة في الزواج منها.
أنا دائمًا أستر عليها، ولكني لم أحسب حساب هذا الشيء، وأنني سوف أندم على كلامي عنها أمام أصدقائي لهذه الدرجة، ودائمًا أفكّر أنهم سوف يتكلمون من وراء ظهري بعد زواجي.
وما يجعلني أفكّر بالزواج بها أنها امرأة ضحّت بأشياء كثيرة لأجلي، وأننا تبنا إلى الله، ووعدنا بعضنا أن نبتعد عن العلاقة المحرمة، ومنها الخلوة، وأمور محرمة كثيرة حصلت في علاقتنا، ونريد السكينة والزواج والعيش مع بعضنا بالحلال.
أرجو منكم مساعدتي، وأن أجد حلًّا عندكم، وأنا في هذه الفترة أستخير الله أن يجمعني وإياها، إن كانت خيرًا لي، وأن يبعدها عني، إن لم تكن خيرًا لي، وأنا راضٍ بقضاء ربي، مع العلم أن المرأة لا تدري أنني تكلّمت عنها، وفضحتها أمام أصدقائي دون قصد، ولا أريدها أن تلاحظ عليّ هدوئي، وتفكيري الشارد.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد أحسنتما بالتوبة مما كان بينكما من الخلوة، فجزاكما الله خيرًا.

ولا يجوز لك الاستمرار في التواصل معها؛ فمحادثة الأجنبية أمر محرم، فلا تجوز إلا لحاجة، ومع مراعاة الضوابط الشرعية، كما هو مبين في الفتوى: 21582، والفتوى: 301951، فيجب عليك قطع التواصل مع هذه الفتاة بالهاتف، أو غيره.

وقد أخطأت هذه الفتاة بإخبارها لك عن ماضيها وما ارتكبت من ذنب، فكان الواجب عليها أن تستر على نفسها؛ فذلك من أعظم سبل المعافاة في الدنيا والآخرة، روى البخاري، ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل أمتي معافاة، إلا المجاهرين، وإن من الإجهار أن يعمل العبد بالليل عملًا، ثم يصبح قد ستره ربه، فيقول: يا فلان، قد عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، فيبيت يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه.

وفي المقابل: قد أخطأت أنت حين أخبرت بعض أصدقائك بالعلاقة التي كانت عليها هذه الفتاة في الماضي.

وإن كنت تعني بكونك تكلّمت في شرفها، اتّهامها بالوقوع في الفاحشة، ونحو ذلك؛ فالأمر أشد، والإثم أعظم؛ لأنه يترتب عليه القذف، وهو من كبائر الذنوب، وسبق الكلام عنه في الفتوى: 29732.

فالواجب عليك التوبة من هذا كله، والدعاء لهذه الفتاة بخير، وانظر الفتوى: 5450، والفتوى: 111563، ففيها بيان كيفية التوبة، والتوبة من القذف خاصة.

وزواج المتحابين قد أرشد إليه الشرع، روى ابن ماجه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم ير للمتحابين مثل النكاح.

وما حدث من هذه الفتاة من علاقة محرمة في الماضي، لا يمنع شرعًا من الزواج منها؛ فالعبرة بحالها الآن، ومدى توبتها واستقامتها، وحسن سيرتها، والاستخارة بعد أن يتبين أمر دِينها وصلاحها.

وإن كنت تخشى أن تكون في حرج بسبب معرفة أصدقائك لما كان منها في الماضي، فيسعك تركها، والبحث عن غيرها؛ فلست ملزمًا بالزواج منها بكل حال. ولعل الله تعالى ييسر لها الزواج من غيرك؛ ففضله واسع، يغني كلًّا منكما من فضله.

وإن كنت قد خطبتها، ففسخ الخطبة جائز، وخاصة عند الحاجة إليه، ويكره الفسخ لغير حاجة، وسبق لنا بيان ذلك في الفتوى: 18857.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني