الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام التفضيل في الهبة للأولاد، وصفة التسوية بينهم

السؤال

نحن ثلاثة أبناء وابنتان لوالدنا، الذي يملك دارًا في الدور الأرضي، وحولها حديقة للمنزل، وقد قام والدي بالتنازل لي كابن أكبر عن حق التعلي لطبقة واحدة. أي السطح الأول لبناء منزل، ومن فوقي أعطى تنازلًا لشقيقي الأوسط لبناء منزل. فأصبح المبنى ثلاثة أدوار: أرضي لوالدنا، أول لي أنا، وثانٍ لشقيقي الأوسط، وقد بنى كل منا منزله على نفقته الخاصة، فالوالد لم يسهم معه في شيء.
ما يجري هو أن والدنا يريد إعطاء المنزل الأرضي الذي يقيم فيه والتنازل عنه لمصلحة شقيقنا الأصغر، وشقيقتينا. أي منزل مبني بكل ما يحتوي، في حين أنني وشقيقي الأوسط تكبدنا العناء، واستدنَّا حتى بنى كل منا منزلًا يسكنه.
الآن وبغية ألا يقع والدنا في دائرة الظلم، فإننا اقترحنا عليه أن تحتسب قيمة المنزل والحديقة، وتقسم على جميع الأبناء وفقًا للنصاب الشرعي (للذكر مثل حظ الأنثيين) على أن يتم وضع السعر من قبل مهندس مختص بتقدير قيمة العقار والمبنى، وأن يتم حسم قيمة حق التعلي أي الهواء الذي قمت وشقيقي الأوسط باستخدامهما لبناء منزلينا من حصة كل منا.
أرجو أن تفتونا في ذلك، وجزاكم الله عنا خير الجزاء.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمن حق الأب أن يهب ابنه الأصغر وبنتيه مثل ما وهبكما، وليس له تفضيلهم عليكما في الهبة، إلا إذا كان ذلك لمسوغ معتبر على الراجح.

وكثير من أهل العلم لا يرون وجوب العدل في الهبة بين الأبناء، وإنما يرون استحبابها فقط ، فإن فضل بعضًا صح مع الكراهة، واستحبت المبادرة إلى التسوية أو الرجوع.

والراجح قول من قال بوجوب التسوية؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم. رواه أحمد.

لكن إن كان التفضيل لمسوغ معتبر جاز.

قال ابن قدامة في المغني: إن خص بعضهم لمعنى يقتضي تخصيصه مثل اختصاصه بحاجة، أو زمانة، أو عمى، أو كثرة عائلة، أو اشتغاله بالعلم، أو نحوه من الفضائل، أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه، أو بدعته، أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله، أو ينفقه فيها، فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك، لقوله في تخصيص بعضهم بالوقف: لا بأس به إذا كان لحاجة، وأكرهه إذا كان على سبيل الأثرة. والعطية في معناه. اهـ.

وبالتالي، فلو كان تخصيص الأب لشقيقكما الأصغر، وشقيقتيكما لمسوغ معتبر؛ فلا حرج عليه فيه. وإلا فليتق الله، وليعدل بينكم.

وهل مقتضى العدل أن تكون العطية كقسمة التركة بأن يعطي الذكر مثل حظ الأنثيين؛ اختلف اهل العلم في صفة التسوية بين الأولاد.

فقال محمد بن الحسن وأحمد وإسحاق وبعض الشافعية والمالكية: العدل أن يعطى الذكر مثل حظ الأنثيين كالميراث.

وقال غيرهم: يسوي بين الذكر والأنثى، وهذا القول الأخير هو الأظهر -إن شاء الله-؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: سووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلا أحدًا لفضلت النساء. أخرجه سعيد بن منصور، والبيهقي من طريقه، وحكم الحافظ في الفتح بأن إسناده حسن.

وعلى كلٍّ، إذا لم يكن هناك مسوغ للتفضيل، فليتق الله، وليعدل بينكم، وطريقة العدل بينكم لا تنحصر فيما اقترحتموه من تقييم البناء السفلي مع خصم قيمة ما وهبكما من هواء وعلو البيت.

وننصح بمشافهة أهل العلم مباشرة بالمسألة ليستفصلوا عما يحتاج إلى استفصال دون الحاجة إلى فرض احتمالات تشعب المسألة، وقد لا يكون لها وجود في الواقع.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني