الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الكذب؛ ما يحرم منه وما يباح

السؤال

هل يجوز الكذب في حال كان جزءًا من عملي؟ ولم يقع ضرر بالكذب، لكن يمكن أن يقع ضرر عليَّ أنا بعدم الكذب. وهو الخصم من الراتب، أو الفصل الكلِّيِّ.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الأصل في الكذب هو التحريم، وقد قال الله -سبحانه وتعالى-: إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ {النحل:105}، وقال تعالى: إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ {غافر:28}، وقال تعالى: فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ {آل عمران:61}.

وثبت عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: إياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار. متفق عليه. وقال -صلى الله عليه وسلم-: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة. رواه الترمذي. وروى الإمام مالك في الموطأ: أنه قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أيكون المؤمن جباناً؟ فقال: نعم، فقيل له أيكون المؤمن بخيلاً؟ فقال: نعم، فقيل له أيكون المؤمن كذاباً؟ فقال لا.

وقد جاء في الحديث ما يدل على جواز الكذب لتحقيق مصلحة دون مضرة للغير، وذلك فيما رواه البخاري ومسلم عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، فينمي خيرا، أو يقول خيرا. وفي رواية: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث: تعني الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها.

والمراد بالحديث بين الزوجين هو عن الحب الذي يساعد على دوام العشرة.

وقد رأى بعض العلماء الاقتصار في جواز الكذب على ما ورد به النص في الحديث، وجوَّزه بعض المحققين في كل ما فيه مصلحة دون مضرة للغير، ولكن الاولى الاستغناء عنه بالتورية والتعريض.

فقد قال ابن الجوزي في كشف المشكل:الكذب ليس حرامًا لعينه، بل لما فيه من الضرر، والكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن أن يتوصل إليه بالصدق والكذب جميعا، فالكذب فيه حرام، وإن أمكن التوصل إليه بالكذب دون الصدق، فالكذب فيه مباح إذا كان تحصيل ذلك المقصود مباًحا، وواجب إذا كان المقصود واجبًا.... إلا أنه ينبغي أن يحترز عنه، ويوري بالمعاريض مهما أمكن. اهـ

وقال ابن القيم في "زاد المعاد" ج 2 ص 145: يجوز كذب الإنسان على نفسه، وعلى غيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه، كما كذب الحجاج بن علاط على المشركين حتى أخذ ماله من مكة من غير مضرة لحقت بالمسلمين من ذلك الكذب، وأما ما نال من بمكة من المسلمين من الأذى والحزن، فمفسدة يسيرة في جنب المصلحة التي حصلت بالكذب. اهـ

وقال العز بن عبد السلام في كتابه قواعد الأحكام في مصالح الأنام: والتحقيق أن الكذب يصير مأذونا فيه ويثاب على المصلحة التي تضمنها على قدر رتبة تلك المصلحة من الوجوب في حفظ الأموال والأبضاع والأرواح. ولو صدق في هذه المواطن لأثم إثم المتسبب إلى تحقيق هذه المفاسد, وتتفاوت الرتب له, ثم التسبب إلى المفاسد بتفاوت رتب تلك المفاسد. اهـ

وعليه؛ فالأصل حرمة الكذب، وقد يباح إن لم يكن فيه إضرار بالغير، وتعين وسيلة لدفع ضرر وفق ما بينا سابقا، وفي الكنايات والمعاريض مندوحة للمرء عنه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني