الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

امتناع المرأة عن إرسال المال لزوجها، وابتعاده الطويل عنها

السؤال

تزوّجت زوجي منذ 12 عامًا، وكان يبدو ميسور الحال عند الخِطبة، وأخفى مشاكله المادية. وبعد الزواج اكتشفت أنه مدين، وأن تجارته لا تعمل جيدًا، وأنا أعمل -والحمد لله-، وعملي يوفّر لي راتبًا محترمًا أنفق منه على البيت، وعلى ابني.
سافر الزوج إلى الخارج منذ سبع سنوات، ولكنه لا يعمل جيدًا أيضًا، وطوال هذه الفترة وأنا أرسل الأموال له من عملي كما يشاء، وهو متغيّب عني لا أراه منذ خمس سنوات، ونتواصل عن طريق المكالمات الصوتية فقط للاطمئنان، ويطلب مني إرسال الأموال له؛ لأنه مُعسِر، ولا يقدر على قوت يومه، وأرسل المال كثيرًا، فهل عليّ وزر إن امتنعت عن إرسال الأموال إليه، وأعدّ زوجة لا تقدّر الظروف؟ وهل يجب عليّ طلب الانفصال لعدم إنفاقه عليّ، وعدم وجوده معنا؟ فأنا أرغب في الحمل مرة أخرى، وهو بعيد عني، ولا ينفق عليّ، ولا على ابنه.
وهو على خُلُق ودِين معي، ويعاملني معاملة جيدة جدًّا، ولا يضرب، ولا يشتم، وهو مصلٍّ، ولكني أفتقد وجوده كزوج، وسند لي في حياتي، وتحدّثت معه كثيرًا، وهو دائم الحديث عن صبر الزوجة، وأن لها الجنة إذا صبرت، لكني لم أعد أطيق.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن مال الزوجة حقّ خالص لها، وليس لزوجها حق فيه، ولا يلزمها أن تعطيه ما يطلب منها من مال، إلا أن تشاء بطِيب نفس منها، قال تعالى: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا {النساء:4}، وثبت في مسند أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحلّ مال امرئ مسلم إلا بطِيب نفس منه.

فانظري فيما إن كانت المصلحة في أن تعطيه، أو أن تمنعيه؛ فإنك أدرى بحاله.

وقد قرّر الفقهاء أن من حقّ الزوجة على زوجها أن لا يغيب عنها أكثر من ستة أشهر، إلا بإذنها، وأنها إذا طلبت قدومه؛ لزمه ذلك، إن لك يكن له عذر يمنعه، وإلا كان لها طلب الطلاق، قال ابن قدامة في المقنع: فإن سافر عنها أكثر من ستة أشهر، فطلبت قدومه؛ لزمه ذلك، إن لم يكن له عذر، فإن أتى شيئًا من ذلك لم يكن ثم عذر، فطلبت الفرقة؛ فُرّق بينهما. اهـ.

وقال المرداوي في الإنصاف: ظاهر كلامه: أنها لو طلبت قدومه من السفر بعد ستة أشهر، وأبى من القدوم: أن لها الفسخ. اهـ.

ولكن لا يلزمها طلب الطلاق، فإن شاءت أن تصبر، فلها ذلك.

وينبغي مراعاة المصلحة في أمر طلب الطلاق؛ فالطلاق له أضراره، وخاصة إن رزق الزوجان الولد.

وللزوجة أيضًا طلب فسخ الزواج إذا أعسر الزوج بالنفقة، كما بيناه في الفتوى: 8299.

ولا يلزمها طلب الفسخ لأجل ذلك، بل إن إعانتها لزوجها في أمر النفقة يدلّ على حسن عشرتها، وكريم أصلها، وهو عمل جليل، يعظم به الأجر، ففي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن زينب امرأة ابن مسعود -رضي الله عنها- جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا نبي الله، إنك أمرت اليوم بالصدقة، وكان عندي حُليّ لي، فأردت أن أتصدّق به، فزعم ابن مسعود: أنه وولده أحقّ من تصدّقت به عليهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحقّ من تصدّقت به عليهم.

ونوصيك بالاستمرار في نصح زوجك بلِين ولطف، وأن لك عليه حقوقًا، وأنه مهما أمكن أن تقيما معًا في بلدكم، أو بلد إقامته، كان أفضل؛ ليعفّ نفسه، ويعفّك، ورجاء أن يرزقكم الله الولد، ولعله إذا اتّقى الله، وأدّى هذه الحقوق أن يفتح الله عليه من أبواب الرزق ما لا يخطر له على بال، فقد قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق:2}.

ويمكنك الاستعانة في أمر نصحه ببعض المقرّبين إليه، إن احتجتِ لذلك.

وأمر زوجك لك بالصبر، وبيانه فضيلته شيء طيب، ولكن عليه أن يجتهد في أن يجعلك في عافية، لا أن يتركك في هذا البلاء، ويأمرك بالصبر عليه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني