الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مقاضاة الأمّ للحصول على الحقّ في الميراث، هل يعد عقوقًا؟

السؤال

توفي رجل، وترك ذهبًا، وأرضًا زراعية، ومزرعة دواجن، ومبنى سكنيًّا، وله زوجة، وابنان، وبنتان، وجميعهم بالغون، ومتزوجون، فحجزت الأمّ الذهب والمستندات الأصلية الدالّة على ملكية الميراث، واختارت الابن الأكبر فقط للاطّلاع على كل الميراث دون إخوته، وغضبت على البنات لعدم قبولهنّ الرضوخ للأخ الأكبر في القسمة الجائرة، والبيع بالبخس، وما زالوا ينكرون وجود ذهب للأب، مع اليقين بوجوده، وما زالوا يحجبون أصول المستندات كذلك، فهل هناك وزر على البنات إن لجأن للقضاء للحصول على حقهنّ؟ وما حكم الشرع في مقاطعة الأمّ لهنّ للضغط عليهنّ للتوقيع على قسمة الإذعان، وإلا فمصيرهنّ أن تغضب عليهنّ دنيا وآخرة؟ وهي الآن ترفض الردّ عليهنّ في الهاتف، وتقاطعهنّ، وهنّ خائفات من عقاب الله، ويتصلن بها دون جدوى، والأمّ لا تقبل أية وساطة.
الحل الوحيد لدينا أن يقبل الأبناء بالقسمة الجائرة للابن الأكبر للسيطرة على جميع الميراث، فما حكم الشرع في هذا الموقف؟ وهل هناك وزر على الأبناء والبنات؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فليس للأمّ أن تظلم أحدًا من أولادها -ذكورًا وإناثًا- بمنعه من حقّه في الميراث، وليس لها أن تُجبِرهم، أو تُكرِههم عن التنازل عنه؛ فالله تعالى أعطى كل ذي حقّ حقّه، والأمّ كغيرها من الناس يحرم عليها الظلم، وتأثم به؛ فكونها أمًّا هذا لا يعني أن لها الحقّ في ظلم أولادها، أو أخذ حقّهم في الميراث.

ولا يأثم الورثة إذا رفعوا القضية إلى المحكمة، ولا يعدّ هذا عقوقًا، فقد تحاكم صحابيّ وابنه عند النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يعدّه عقوقًا، فقد روى البخاري في صحيحه، عن مَعْنَ بْنَ يَزِيدَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَأَبِي وَجَدِّي، وَخَطَبَ عَلَيَّ، فَأَنْكَحَنِي، وَخَاصَمْتُ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبِي يَزِيدُ أَخْرَجَ دَنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بِهَا، فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ فِي المَسْجِدِ، فَجِئْتُ فَأَخَذْتُهَا، فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ: وَاللهِ، مَا إِيَّاكَ أَرَدْتُ، فَخَاصَمْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: لَكَ مَا نَوَيْتَ يَا يَزِيدُ، وَلَكَ مَا أَخَذْتَ يَا مَعْنُ.

قال الحافظ في الفتح: وَفِيهِ جَوَازُ التَّحَاكُمِ بَيْنَ الْأَبِ وَالِابْنِ، وَأَنَّ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَكُونُ عُقُوقًا. اهـ.

فاللجوء للقضاء لاستيفاء الحقوق، لا يعدّ من العقوق، ولا من قطيعة الرحم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني