الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأما تبدل الملائكة في وقت الفجر ووقت العصر فقد دلت عليه السنة الصحيحة، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل والنهار، يجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون. متفق عليه.
وأما ما سوى ذلك من التفصيل فقد ورد في بعض الأحاديث. روى الطبري في "تفسيره" عند قوله تعالى: {له معقبات من بين يديه}: حدثني المثنى ثنا إبراهيم بن عبد السلام بن صالح القشيري ثنا علي بن جرير عن حماد بن سلمة عن عبد الحميد بن جعفر عن كنانة العدوي، قال: {دخل عثمان بن عفان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا رسول الله أخبرني عن العبد، كم معه ملك؟ فقال: على يمينك ملك على حسناتك، وهو أمين على الملك الذي على الشمال، فإذا عملت حسنة كتبت عشرا، وإذا عملت سيئة، قال الذي على الشمال للذي على اليمين: أكتب؟ فيقول له: لا، لعله يستغفر الله ويتوب، فإذا قال ثلاثا، قال: نعم، اكتب أراحنا الله منه، فبئس القرين، ما أقل مراقبته لله، وأقل استحياءه منا، يقول الله: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}، وملكان من بين يديك ومن خلفك يقول الله: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله} وملك قابض على ناصيتك، فإذا تواضعت لله رفعك، وإذا تجبرت على الله قصمك، وملكان على شفتيك، ليس يحفظان عليك إلا الصلاة على محمد، وملك قائم على فيك، لا يدع أن تدخل الحية في فيك، وملكان على عينيك، فهؤلاء عشرة أملاك على كل ابن آدم يتبدلون، ملائكة الليل على ملائكة النهار؛ لأن ملائكة الليل سوى ملائكة النهار، فهؤلاء عشرون ملكا، على كل آدمي، وإبليس بالنهار وولده بالليل}. انتهى.
فهذا الحديث شاهد لما سألت عنه، وقد نقله الزيلعي في نصب الراية وابن حجر في الفتح والسيوطي في الدر المنثور، نقلوه كلهم عن الطبري ولم يتعقبوه ولم يضعفوه.
ولبعض ما ورد فيه شواهد، منها ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس قال: جعل الله على ابن آدم حافظين في الليل وحافظين في النهار، يحفظان عمله ويكتبان أثره. اهـ . ويشهد له في التواضع ماروى ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من آدمي إلا في رأسه حكمة بيد ملك، فإذا تواضع قيل للملك ارفع حكمته، وإذا تكبر قيل للملك ضع حكمته. رواه الطبراني، وقال الهيثمي في المجمع: إسناده حسن، وحسنه الألباني في السلسلة.
ولخصوص مراقبة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فقد روى ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وأما بخصوص ملكي العينين والملك الحارس للبلعوم من دخول شيء فيه فلم نعثر على دليل ثابت يشهد لذلك إلا عموم قوله تعالى: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ.{الرعد: 11}.
والله أعلم.