الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
أسأل الله أن يرحم والدك رحمة واسعة، ثم اعلم أن الفقهاء قد نصوا على أن من مات ولم يحج وكان قد وجب عليه الحج فالواجب أن يُحَج عنه من تركته، قال النووي في المنهاج: فمن مات وفي ذمته حج وجب الإحجاج عنه من تركته.
وإن لم يجد الورثة من يحج عنه إلا بأجرة المثل وجب عليهم بذلها، فإن أخذ الأجرة على النيابة في الحج جائز في قول مالك والشافعي وهو الصحيح، وإن كان ترك أخذها أولى خروجا من الخلاف .
فإذا كانت الأجرة تلزمكم لو طلبها عمكم فكيف بنفقته التي لا خلاف في وجوبها على المستنيب عند من يقول بالاستنابة، وإذا استنبتموه فالقول قوله فيما يدعي أنه أنفقه لأنه أمين ومحسن، وقد قال الله عز وجل: مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {التوبة:91}.
فنفقة جواز السفر والتأشيرة ونفقة المواصلات الداخلية وغيرها تلزمكم في تركة أبيكم بلا شك، وكذا نفقته لطعامه وشرابه لازمة لكم، فإن الطعام الذي يقدمه الفندق قد لا يكون كافيا، فإذا اشترى طعاما بالمعروف فثمنه عليكم، وكذا نفقة غسل الثياب لازمه لكم، وكون أبيكم كان سيقتصد في النفقة لو قدر أنه حج ليس مسوغا لأن تتركوا إعطاء عمكم حقه، ثم إن الرجل لم يطلب منكم أجرة على قيامه بالحج عن أبيكم.
فالذي ننصحكم به أن تتقوا ربكم وأن تبذلوا الحق لعمكم عن طيب نفس، ثم إن كرام النفوس لا يأبهون لمثل هذه الأشياء، فالسماحة والخلق الحسن يقتضيان منكم أن تبذلوا لعمكم ما طلب دون هذا التدقيق والاستيفاء، فقد قيل: ما استوفى كريم قط، وعليكم أن تجتهدوا في الدعاء لأبيكم أن يتغمده الله برحمته وأن يتقبل حج عمكم عنه، والحج قد وقع صحيحا وسقط به الفرض عنه إن شاء الله، ولكن التبعة تبقى عليكم أنتم إن قصرتم في إعطاء عمكم حقه.
والله أعلم.