الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن المدينة كانت تسمى في الجاهلية بيثرب، وسبب ذلك أن أول من سكنها بعد التفرق يثرب بن قاينة أحد العمالقة، فلما نزل بها النبي صلى الله عليه وسلم سماها المدينة وطيبة وطابة كراهية للتثريب الذي هو التغيير أومن الثرب وهو الفساد، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: أمرت بقرية تأكل القرى يقولون يثرب وهي المدينة، تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد.
وراجع شروح الصحيحين وشرح الموطأ للزرقاني والتمهيد لابن عبد البر، ثم إن تسميتها بالمدينة ثبت في القرآن، كما في قوله تعالى: مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ {التوبة:120}.
ولم نطلع على من ذكر أنه كانت هناك قرية تسمى بالمدينة في ذلك العصرعلى سبيل العلمية.
وقد ذكر أهل اللغة أن اللفظ قد يكون عاما فيما يدل عليه، ويصير علما على بعض أفراده بالغلبة، ومثلوا لذلك بالمدينة وبالبيت والكتاب يعنون مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، والبيت الحرام، وكتاب سيبويه، وراجع شروح ألفية ابن مالك عند قول الناظم:
وقد يصير علما بالغلبة * مضافا أو مصحوب أل كالعقبة
والله أعلم.