الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فعمارة المساجد حاصلة لمن صلى في المسجد ولو لم ينوها, فلو نوى عمارة المساجد مثلا مع نية الصلاة لم يضر ذلك، لأنه تشريك بين قربتين إحداهما حاصلة ولو بغير نية كما لو نوى بصلاة الفرض الفرض وتحية المسجد فإن ذلك لا يضر, وإذا كان مثابا على عمارة المسجد ولو بغير نية فمع النية أولى, وكيفية ذلك أن يحضر في قلبه المقصد الذي يصلي لأجله وأنه يصلي الفريضة وتحية المسجد مثلا, قال النووي في المجموع: قال أصحابنا: لو أحرم بصلاة ينوي بها الفرض وتحية المسجد صحت صلاته وحصل له الفرض والتحية جميعا، واتفق أصحابنا على التصريح بحصول الفرض والتحية, وصرحوا بأنه لا خلاف في حصولهما جميعا ولم أر في ذلك خلافا بعد البحث الشديد سنين، وقال الرافعي وأبو عمرو بن الصلاح: لا بد من جريان خلاف فيه كمسألة التبرد وهذا الذي قالاه لم ينقلاه عن أحد والمنقول ما ذكرناه, والفرق ظاهر فإن الذي اعتمده الأصحاب في تعليل البطلان في مسألة التبرد هو التشريك بين القربة وغيرها وهذا مفقود في مسألة التحية, فإن الفرض والتحية قربتان إحداهما تحصل بلا قصد فلا يضر فيها القصد كما لو رفع الإمام صوته بالتكبير ليسمع المأمومين فإن صلاته صحيحة بالاجماع وإن كان قد قصد أمرين لكنهما قربتان وهذا واضح لا يحتاج إلى زيادة بيان. انتهى.
والصحيح ـ أيضا ـ في مسألة التشريك بين نية ما هو قربة وما ليس بقربة كالجمع بين نية الوضوء والتبرد ونية الصلاة والخلاص من غريم، ونية الحج ورؤية البلاد النائية أنه لا يضر وإن كان ينقص به الثواب, قال في كشاف القناع: ولا يضر معها ـ أي النية ـ قصد تعليم الصلاة لفعله صلى الله عليه وسلم في صلاته على المنبر وغيره، أو قصد خلاص من خصم، أو إدمان سهر، قال في الفروع: كذا وجدت ابن الصيرفي نقله والمراد لا يمنع الصحة بعد إتيانه بالنية المعتبرة لا أنه لا ينقص ثوابه ولهذا ذكره ابن الجوزي فيما ينقص الأجر ومثله قصده مع نية الصوم وهضم الطعام، أو قصده مع نية الحج رؤية البلاد النائية أي البعيدة ونحو ذلك كقصد تجارة مع ذلك، لأنه قصد ما يلزم ضرورة كنية التبرد، أو النظافة مع نية رفع الحدث وتقدم هذا في الوضوء. انتهى.
والله أعلم.