الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمما يجزم به كل عاقل أن الشهوات الشاذة مخالفة للقاعدة العريضة من الناس على اختلاف مللهم ومشاربهم وأجناسهم، وهذا يؤدي إلى القطع بأن الخلقة الأصلية التي يُخلق الناس عليها تأبى مثل هذه الشهوات بحكم فطرتها ونشأتها، بل وتتقزز منها وتجرِّمها. والعبرة بالغالب والنادر لا حكم له، ولذلك يوصف بالشذوذ. وكثير ممن يعاني من هذه القاذورات يشكو منها ويستهجنها ويبحث عن علاج لها، وهذا أيضا يدل دلالة ظاهرة على خلو الفطرة الأصلية من مثل هذه الانحرافات، فبسبب ما يبقى لدى المنحرفين من معاني الفطرة السوية، يستهجنون ما يشعرون به، ويعتبرونه مرضا ويطلبون البرء منه. ومَدْرَكُ هذا واضح عقلا، ومشاهد واقعا.
وقد سبق لنا التعرض للعلاقة بين هذه الانحرافات وبين الفطرة، فراجع الفتوى رقم: 155433وما أحيل عليه فيها. ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتويين: 17864، 27444.
وأما تعريف الأخ السائل لما يخالف الفطرة بأنه: (الذي لا يستطيع الإنسان فعله أو على الأقل لا يفعله مرتاحا أو مستمتعا) فهذا لا يستقيم من الانتكاس الكلي للفطرة، فمن الناس من يصل إلى الدرك الأسفل من الانتكاس، فلا يشتهي ولا يتلذذ إلا بالقاذورات، وقد قرأنا عن بعض أحوال هؤلاء ما لا يُصدَّق، ولا يطاق إتمام قراءته فضلا عن حكايته !! وأما من بقي معه شيء من فطرته فهو لا يكاد يفكر في شيء من هذه الانحرافات، إلا ويرغب عنها ويلوم نفسه ويشعر بالأرق، ويحاول جاهدا أن يعود إلى مقتضى الفطرة.
وأما كون تعرض المرء لنوع من هذه الرغبات المنحرفة ـ بفعل البيئة أو الصحبة أو الإعلام الفاسد، مع النفس الأمارة بالسوء ـ نوعا من أنواع البلاء، فهذا صواب من حيث الجملة، وقد روى الإمام أحمد في (الزهد) عن مجاهد قال: كُتب إلى عمر رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين! رجل لا يشتهي المعصية ولا يعمل بها أفضل، أم رجل يشتهي المعصية ولا يعمل بها؟ فكتب عمر رضي الله عنه: إن الذين يشتهون المعصية ولا يعملون بها أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم اهـ.
ومن هذا الباب تكون مجاهدة المرء نفسه في ميلها لهذه الشهوات الخبيثة نوعا من أنواع الجهاد الذي يرفع قدر صاحبه ويعلي درجته.
وعلى أية حال فإننا ننصح السائل بمراسلة المواقع الاستشارية المتخصصة في مثل هذه المجالات، كما يمكنه مراسلة قسم الاستشارات في موقعنا هذا.
والله أعلم.