الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن انخراط المسلم في جيش دولة كافرة، وما يستلزم هذا الانخراط من القسم المذكور في السؤال، وغيره، لا يجوز؛ لما ينطوي عليه هذا الانخراط من مفاسد:
منها: أن يغرر المسلم بنفسه، لا لإعلاء كلمة الله؛ لأن هذه الجيوش قائمة على إعلاء كلمة الكفر، والمسلم إنما يقاتل لإعلاء كلمة الله تعالى، ولا يغرر بنفسه في غير هذا.
ومنها: أن إعانة غير المسلمين في حرب بعضهم بعضًا لا تجوز من حيث الأصل، قال السرخسي في المبسوط: إذا كان قوم من المسلمين مستأمنين في دار الحرب، فأغار على تلك الدار قوم من أهل الحرب، لم يحل لهؤلاء المسلمين أن يقاتلوهم; لأن في القتال تعريض النفس، فلا يحل ذلك إلا على وجه إعلاء كلمة الله عز وجل, وإعزاز الدين, وذلك لا يوجد ههنا; لأن أحكام أهل الشرك غالبة فيهم، فلا يستطيع المسلمون أن يحكموا بأحكام أهل الإسلام، فكان قتالهم في الصورة لإعلاء كلمة الشرك؛ وذلك لا يحل إلا أن يخافوا على أنفسهم من أولئك, فحينئذ لا بأس بأن يقاتلوهم للدفع عن أنفسهم، لا لإعلاء كلمة الشرك. اهـ.
وبوَّب محمد بن الحسن في السير الكبير بابًا عن قتال أهل الإسلام أهل الشرك مع أهل الشرك، قال فيه: لا ينبغي للمسلمين أن يقاتلوا أهل الشرك مع أهل الشرك؛ لأن الفئتين حزب الشيطان, وحزب الشيطان هم الخاسرون, فلا ينبغي للمسلم أن ينضم إلى إحدى الفئتين، فيكثر سوادهم، ويقاتل دفعًا عنهم, وهذا لأن حكم الشرك هو الظاهر, والمسلم إنما يقاتل لنصرة أهل الحق, لا لإظهار حكم الشرك. اهـ.
وجاء في المدونة: سمعت مالكًا يقول في الأسارى يكونون في بلاد المشركين، فيستعين بهم الملك على أن يقاتلوا معه عدوه، ويجاء بهم إلى بلاد المسلمين, قال مالك: لا أرى أن يقاتلوا على هذا, ولا يحل لهم أن يسفكوا دماءهم على مثل ذلك, قال مالك: وإنما يقاتل الناس ليدخلوا في الإسلام من الشرك, فأما أن يقاتلوا الكفار ليدخلوهم من الكفر إلى الكفر، ويسفكوا دماءهم في ذلك, فهذا مما لا ينبغي, ولا ينبغي لمسلم أن يسفك دمه على هذا. اهـ.
والله أعلم.