ذم الغلو والمبالغة في نصرة الأم على الأب

25-3-2014 | إسلام ويب

السؤال:
أريد أن أسال عن حكم مقاطعة أبي عند ظلمه لأمي ومناصرتها؛ علما بأن أمي عاشت مع أبي سنوات عذاب بسبب ظلم أهله، ولكنها آثرت البقاء معه لأجلي ولأجل أختي، وحرمت نفسها من الكثير لأجلنا، وعندما كنت صغيرة لم أكن أرها مثل بقية الأمهات، كانت كثيرا تجلس وحدها في الحجرة تبكي، وتمرض أعضاؤها بسبب الحالة النفسية التي كان يعيشها والدي، حيث كانت أمه طاغية بمعنى الكلمة، وهو لا يريد أن يأخذ حقا أبدا من أمه في أي شيء، وكثيرا ما كنت أرى جدتي تشتمها أمامي، وأمي تبكي، ونظرات الحزن أراها دائما في عينيها، ولا أشعر أبدا بسعادة في وجهها، دائما الكدر والضيق مسيطر عليها، حتى عندما كنت صغيرة، وهي تذاكر لي كانت تضربني على رأسي إذا لم أُجِد حل مسائل الحساب، وأنا كنت أبكي، ولكنها في نفس الوقت كنت أجدها تعاونني في نشاطات المدرسة، وتذهب للمدرسين لو أحدهم أغضبني خوفا علي. وكانت تقريبا أكثر أم في المدرسه تأتي لي وتطمئن علي، كنت أحس أنها طيبة جدا، ولكن حولها ظروف هي التي كانت تجعلها تتعصب علي بشدة، وإن أهل أبي هم من أفسدوا عليها حياتها بالكامل، والآن نضجت وصار عندي 24 عاما، وهي 54 عاما، ومن 7 سنوات أصابني وسواس قهري شديد جدا، وهي كانت معي في كل لحظة، ومن سنتين علمت أمي بخيانة أبي لها، والبيت كان أشبه بالنار، وقبل أن تعلم أمي كان أبي يعاملها معامله قاسية جدا، وبعد علمنا جميعا بخيانته أيضا صار قاسيا في المعاملة، فقررت أن أقاطعه 3 شهور، لا أتحدث معه أبدا، وبالفعل قاطعته، فبدأت معاملته مع أمي تتحسن حتى رجعت للكلام معه.
ولكن أحيانا أقف أمامه وأقول له: لا تتحدث مع أمي بهذا الأسلوب، علما أنه إذا تحدثت بهدوء ودافعت عنها بهدوء يدعو علي لأنه لا يريد أن يدافع عنها أحد. وفي الفترة الأخيرة حدث لأبي أشياء، وبدأ عقاب الله ينزل عليه، وأصبح غير الأول، وشعرت بالندم والحسرة في نفسي أني كنت أقف أمامه في بعض الأوقات.
المشكلة أن شعوري بالندم هذا أحيانا ينعكس على والدتي، وأشعر أنها السبب مع أنها كانت تخبرني أن أعامله جيدا، ولكن قلبي كان لا يتحمل أن أرى الإنسانة التي ضحت من أجلي تهان بهذا الشكل، كان يجب أن أكون معها خاصة أن أختي الكبيرة هي الأخرى بعد أن تزوجت صارت معاملتها لأمي غير جيدة بالمرة، وكانت تشتكي لأبي من أمي في الوقت التي كانت مقيمة فيه عندنا؛ لأن زوجها كان مسافرا؛ لأن أمي كانت تطلب منها أن تساعد في ترتيب المنزل معنا، فنصر أبي أختي على أمي، وعندما قلت له لا يا أبي هي التي زعلت أمي، ظل يدعو علي لدرجة أنه أجبر أمي على الاعتذار لأختي أمامنا، وبعد الموقف هذا مرت شهور، وانتقلت أنا للعمل وأخذت راتبي، وبدأت أشتري لأمي كل ما تحتاجه من ملابس جديدة، وكان عندى ذهب قديم بعته وأهديته لها.
المشكلة أني أحس أني مخنوقه وعصبية جدا، وأحيانا عصبيتي تنعكس عليها بدون قصد في أبسط الأسباب. مثلا أنا لا أريدها أن تنظف لأختي بيتها، ولا أريدها أن تتعب، فيحدث خلاف على هذا، فأندم وأبكي وأصالحها، وأشياء بسيطة أشعر أني أتعصب عليها ربما من حزني عليها، أنها لا تجد سواي في الدنيا، وأنها كانت تستحق أكثر، لا أعلم.
أتمنى الإفادة منكم، وأسالكم الدعاء.

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فيجب على البنت مناصرة أبويها كليهما: الظالم منهما والمظلوم كل بحسبه ، كما قال النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏‏:" انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: " تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ " ‏رواه أحمد واللفظ له والبخاري. ومنع الأب من الظلم يكون بأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر بالأسلوب الشرعي ، ففي ‏الموسوعة الفقهية :"أجمع الفقهاء على أن للولد الاحتساب عليهما، لأن النصوص الواردة في الأمر والنهي مطلقة تشمل ‏الوالدين وغيرهما، ولأن الأمر والنهي لمنفعة ‏المأمور والمنهي، والأب والأم أحق أن يوصل الولد إليهما المنفعة ".‏
والجري على الأسلوب الشرعي يكون بمراعاة أمرين اثنين:‏
‏1ـ ألا يؤدي الإنكار عليه إلى قطيعة رحمه؛ لأن ذلك من العقوق المحرم وهو من الكبائر؛ فإن الله أمر ببرهما مشركين ، والشرك أعظم ‏المعاصي ، فكيف بما دونه من الذنوب ، قال تعالى : وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان:15} . قال الشيخ السعدي في تفسيره التيسير في هذه ‏الآية :"ولم يقل: "وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فعقهما" بل قال: {فَلا ‏تُطِعْهُمَا} أي: بالشرك، وأما برهما، ‏فاستمر عليه، ولهذا قال: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} أي: ‏صحبة إحسان إليهما بالمعروف، وأما اتباعهما وهما بحالة ‏الكفر والمعاصي، فلا تتبعهما.‏" اهـ

وهجر الوالد من قطع رحمه ، لأن عدم الهجر أدنى مراتب الصلة كما ، قال القاضي عياض ـ فيما نقله عنه العيني في ‏شرحه على البخاري ـ " وللصلة ‏درجات بعضها أرفع من بعض وأدناها ترك المهاجرة "‏.‏ وقطعية الوالد من أكبر الكبائر .
‏2ـ أن يكون بالأسلوب اللائق بهما: جاء الموسوعة على إثر ذكر الإجماع المتقدم :"ولكن لا يتجاوز مرتبتي التعرف والتعريف‏" وقال ابن مفلح في الآداب ‏الشرعية والمنح المرعية :"قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى: يَأْمُرُ أَبَوَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمَا عَنْ الْمُنْكَرِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ‏حَنْبَلٍ: إذَا رَأَى أَبَاهُ عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ يُعَلِّمُهُ بِغَيْرِ عُنْفٍ وَلَا إسَاءَةٍ وَلَا يُغْلِظُ لَهُ فِي الْكَلَامِ وَإِلَّا تَرَكَهُ، وَلَيْسَ الْأَبُ كَالْأَجْنَبِيِّ " ، ‏وقال صاحب نصاب الاحتساب: "‏السنة في أمر الوالدين بالمعروف أن يأمرهما به مرة فإن قبلا فبها، وإن كرها سكت عنهما، ‏واشتغل بالدعاء ‏والاستغفار لهما، فإنه تعالى يكفيه ما يهمه من أمرهما ".‏

وبناء على ما ذكر يتبين أن ما قررته وأقدمت عليه بالفعل من مقاطعة أبيك ثلاثة أشهر لا تتحدثين معه أبدا، وما يصدر منك أحيانا نحوه من الغلظة في القول هو من العقوق البين والعياذ بالله.

كما أن ما يأتيك أحيانا من عصبية نحو أمك لا يجوز، ولو كان بقصد الشفقة عليها.

فلا يجوز أن يحملك الغلو في نصرة أمك على عقوق الأب، ولا إلى الإساءة ‏إليها بقصد الإحسان، ‏فإن كل ذلك مذموم.‏ فبادري إلى التوبة من كل ذلك بالندم، والعزم أن لا تعودي إلى مثله.

ونسأل أن يتوب عليك ويصلحك ويصلح بك.
 والله أعلم.

www.islamweb.net