حكم العمل بفتوى لا يطمئن قلب المستفتي إليها

12-6-2014 | إسلام ويب

السؤال:
‏باختصار شديد: إذا لم يطمئن قلبي ‏لقول من أفتوني بمذهب ابن تيمية -‏رحمه الله-في الطلاق المعلق، حتى ‏لو ترتب على ذلك البينونة الكبرى ‏بيني وبين زوجتي، ولن أستطيع ‏الرجوع إليها إلا بعد أن تنكح زوجا ‏آخر، نكاح رغبة، لا نكاح تحليل.
‏فهل يجوز الأخذ بقول ابن تيمية مع ‏عدم اطمئنان قلبي؟
هل الاطمئنان ‏القلبي شرط لبراءة الذمة أمام الله؟
‏جزاكم الله خيرا.‏

الإجابــة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا يجوز العمل بفتوى المفتي، ما لم ‏تطمئن نفس المستفتي إليها.‏
‏ يقول ابن القيم -رحمه الله-في إعلام ‏الموقعين: لا يجوز العمل بمجرد ‏فتوى المفتي إذا لم تطمئن نفسه، ‏وحاك في صدره من قبوله، وتردد ‏فيها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ‏‏{استفت نفسك وإن أفتاك الناس، ‏وأفتوك}. فيجب عليه أن يستفتي ‏نفسه أولا، ولا تخلصه فتوى المفتي ‏من الله، إذا كان يعلم أن الأمر في ‏الباطن بخلاف ما أفتاه، كما لا ينفعه ‏قضاء القاضي له بذلك ...‏

إلى أن قال: فإن كان عدم الثقة، ‏والطمأنينة لأجل المفتي، يسأل ثانيا، ‏وثالثا حتى تحصل له الطمأنينة؛ فإن ‏لم يجد فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ‏والواجب تقوى الله بحسب ‏الاستطاعة. اهـ.

 واستفتاء النفس ليس معناه أن ‏مسائل الحلال والحرام تأخذ بفتوى ‏النفوس، بل لا بد فيها من سؤال أهل ‏العلم، والأخذ بما يقولون، كما سبق ‏التنبيه عليه في الفتوى رقم: ‏‏199943، كما أنه مقيد بالمسائل ‏الاجتهادية التي يسوغ فيها الخلاف ‏بين العلماء، وأما ما جاء فيه النص ‏الصريح من الكتاب، أو السنة، أو ‏الإجماع، فليس للمؤمن إلا طاعة الله ‏تعالى، وطاعة، واتباع رسوله صلى ‏الله عليه وسلم، ولا محل لاستفتاء ‏القلب فيه؛ إذ أن ميلَ النفس إلى غير ‏النص، إنما هو اتباع للهوى كما بينا ‏في الفتوى رقم: 203989
وبهذا يتبين أن عليك الأخذ بالقول ‏الذي تطمئن إليه نفسك في هذه ‏المسألة، وهو هنا قول الجمهور ‏الذي عليه الفتوى عندنا، كما سبق ‏بيانه في الفتوى رقم: 178975.

 وهذا إذا كان عدم طمأنينتك بسبب ‏معتبر كترجح أدلة القول الآخر لديك، ‏أو نحو ذلك. أما إن كان سببه ‏الوسواس، أو ما شابه، فلا تلتفت ‏إليه.‏
يقول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- ‏في شرح رياض الصالحين: صاحبَ ‏الخير الذي وُفق للبر، هو الذي ‏يتردد الشيء في نفسه، ولا تطمئن ‏إليه، ويحيك في صدره، فهذا هو ‏الإثم.‏

وموقف الإنسان من هذا أن يدعه، ‏وأن يتركه إلى شيء تطمئن إليه ‏نفسه، ولا يكون في صدره حرج ‏منه، وهذا هو الورع؛ ولهذا قال ‏النبي صلى الله عليه الصلاة ‏والسلام: ((وإن أفتاك الناس، ‏وأفتوك)) حتى لو أفتاك مفتٍ بأن ‏هذا جائز، ولكن نفسك لم تطمئن، ‏ولم تنشرح إليه فدعه، فإن هذا من ‏الخير والبر ، إلا إذا علمت أن في ‏نفسك مرضاً من الوسواس، والشك ‏والتردد فيما أحل الله، فلا تلتفت ‏لهذا، والنبي عليه الصلاة والسلام ‏إنما يخاطب الناس، أو يتكلم على ‏الوجه الذي ليس فيه أمراض، أي ‏ليس في قلب صاحبه مرض، فإن ‏البر هو ما أطمأنت إليه نفسه، والإثم ‏ما حاك في صدره، وكره أن يطلع ‏عليه الناس. اهـ.
‏ ‏
والله أعلم.‏
 

www.islamweb.net