الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف الأئمة في وجوب تغطية الوجه والكفين من المرأة أمام الأجانب. ومن ذهب منهم إلى استحباب ذلك وعدم وجوبه أفتى بأنه يجب عليها سترهما عند خوف الفتنة بها أو عليها. وعلى هذا يمكن أن يقال إن فقهاء المذاهب الأربعة متفقون على وجوب ستر وجه المرأة عند خوف الفتنة وفساد الزمن. وراجعي في ذلك وفي بيان أدلة وجوب النقاب الفتوى رقم: 4470.
وأما نظرة بعض المجتمعات للمنتقبة على أنها متشددة، وتأثير ذلك على دعوتها إلى الله وسعيها لإصلاح مجتمعها، فنقول: إن تغيير هذه النظرة من جملة السعي في الإصلاح، ومن مواطن الدعوة إلى الله. وهذا إنما يكون بحسن الخلق، والصبر والمصابرة في تعليم الناس، وترغيبهم في الخير، وبيان الأحكام الشرعية بطريقة مبسطة تناسب العصر.
وأما التخلي عن بعض الأحكام الشرعية بدعوى عدم قبول الناس لها: فهذا في الحقيقة أحد أسباب نقض عرى الإسلام واشتداد غربته! والمتمسك بأحكام دينه في مثل هذه الأزمان له فضيلة كريمة، ومنقبة عظيمة، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: بدأ الإسلام غريبًا وسيعود كما بدأ غريبًا، فطوبى للغرباء. رواه مسلم. ووصْفُ حال هؤلاء الغرباء جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم ونحن عنده: طوبى للغرباء. فقيل: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: أناس صالحون في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم. رواه أحمد، وصححه الألباني.
ومن ذلك أيضًا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: إن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيه مثل قبض على الجمر، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلًا يعملون مثل عمله. قيل: يا رسول الله، أجر خمسين منهم؟ قال: أجر خمسين منكم. رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وصححه الألباني. وروي أيضًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: المتمسك بسنتي عند اختلاف أمتي كالقابض على الجمر. رواه الحكيم الترمذي، وحسنه الألباني.
ولذلك فإنا نوصي الأخت السائلة بأن تثبت على ما قررته من ارتداء النقاب، وأن تسعى في طلب العلم وتزكية نفسها بالإيمان والعمل الصالح، وأن تجتهد لتكون قدوة صالحة لمن حولها من النساء.
والله أعلم.