الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد تضمن سؤالك أمرين؛ أولهما حول صحة العقد، وقد بيّنّا في فتاوى سابقة أن الراجح من كلام أهل العلم أن النكاح لا تشترط له صيغة معينة، بل ما عدّه الناس نكاحًا فهو نكاح بأي صيغة كان؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: ينعقد النكاح بما عدّه الناس نكاحًا بأي لغة ولفظ وفعل كان، ومثله كل عقد. انتهى.
وقال أيضًا: ومعلوم أن دلالات الأحوال في النكاح من اجتماع الناس لذلك، والتحدث بما اجتمعوا، فإذا قال بعد ذلك: "ملكتكها بألف درهم" علم الحاضرون بالاضطرار أن المراد به الإنكاح، وقد شاع هذا اللفظ في عرف الناس حتى سموا عقده أملاكًا وملاكًا. انتهى.
والظاهر أنكم استفتيتم بشأن النكاح، ومضيتم فيه، فليس لكم الآن إعادة النظر فيه لأجل إبطال الطلاق؛ فإن هذا من التلاعب بالدِّين.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عن رجل تزوج بامرأة وليّها فاسق, يأكل الحرام, ويشرب الخمر, والشهود أيضًا كذلك, وقد وقع به الطلاق الثلاث، فهل له بذلك الرخصة في رجعتها؟
فأجاب: إذا طلقها ثلاثًا وقع به الطلاق, ومن أخذ ينظر بعد الطلاق في صفة العقد ولم ينظر في صفته قبل ذلك, فهو من المتعدين لحدود الله, فإنه يريد أن يستحل محارم الله قبل الطلاق وبعده. والطلاق في النكاح الفاسد المختلف فيه [يقع] عند مالك وأحمد وغيرهما من الأئمة, والنكاح بولاية الفاسق يصح عند جماهير الأئمة. والله أعلم. انتهى من "مجموع الفتاوى" (32/101).
والأمر الثاني: مسألة الطلاق في الحيض أو في الطهر الذي جامع فيه الرجل زوجته، وهذا من قبيل الطلاق البدعي، وقد اختُلف هل يقع مع الإثم أو لا يقع؟ والجمهور على وقوعه مع إثم فاعله، وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم إلى حرمة ذلك وعدم وقوع الطلاق. والمفتى به لدينا هو: قول الجمهور، وعليه فالطلقتان محسوبتان.
وأما مسألة تعليق الطلاق أو الوعد بإيقاعه: إن خرجت بغير رضاه مع الشك فيما كان من الزوج من ذلك، فقد بيّنّاه مفصلًا في جواب السؤال رقم: 2606177.
والله أعلم.