الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن إتيان الأجنبية في فمها محرم قطعًا، وهو زنا بالمعنى العام للزنى؛ لحديث الشيخين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا، مدرك ذلك لا محالة؛ فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه.
ولكنه لا يستوى مع الفاحشة العظمى في نوعية الحد، فالزنا الذي يترتب عليه إقامة الحد إنما هو إيلاج حشفة، أو قدرها في فرج محرم لعينه، مشتهى طبعًا، بلا شبهة.
وما عداه فإنه وإن سمي زنًا إلا أنه لا حدّ فيه، ولكن يلحق صاحبه الإثم، ويستحق التعزير والتأديب، ولا يعتبر إتيان الفم مثل إتيان الفرج؛ لأنه ليس موضع الحرث، بل إن كثيرًا من العقلاء تشمئز نفوسهم منه، قال النووي في شرحه للحديث السابق: ومعنى الحديث أن ابن آدم قدر عليه نصيب من الزنا، فمنهم من يكون زناه حقيقيًّا بإدخال الفرج في الفرج، ومنهم من يكون زناه مجازًا بالنظر، والاستماع إلى الزنا، وما يتعلق بتحصيله. اهـ.
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين: وأما التعزير ففي كل معصية لا حدّ فيها، ولا كفارة; فإن المعاصي ثلاثة أنواع:
نوع فيه الحدّ، ولا كفارة فيه. ونوع فيه الكفارة، ولا حدّ فيه. ونوع لا حدّ فيه، ولا كفارة:
فالأول - كالسرقة، والشرب، والزنا، والقذف -. والثاني: كالوطء في نهار رمضان، والوطء في الإحرام. والثالث: كوطء الأمة المشتركة بينه وبين غيره، وقبلة الأجنبية، والخلوة بها، ودخول الحمام بغير مئزر، وأكل الميتة، والدم، ولحم الخنزير, ونحو ذلك.
وجاء في الموسوعة الفقهية: أما الاستمتاع بالأجنبية بأي نوع من أنواع الاستمتاع، كنظر، ولمس، وقبلة، ووطء، فهو محظور، يستحق فاعله الحد إن كان زنا، والتعزير إن كان غير ذلك، كمقدمات الوطء. اهـ
وراجع الفتوى رقم: 3950، والفتوى رقم: 4458.
هذا، وننبه إلى أن الرجم لا يتعين عند إتيان الأجنبية، وإنما يرجم المحصن فقط، وأما البكر فيجلد مائة جلدة؛ لقول الله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2].
والله أعلم.