الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذا الكلام المنقول بإطلاقه المذكور، باطل، لا يصح، وفيه لوازم فاسدة وشنيعة؛ فلا يلزم من عدم إظهار العداوة للكفار، الرضا بما هم عليه من الكفر، وهذا لا يخفى على أحد، ثم إن إطلاق التكفير بعدم إظهار العداوة لكل أنواع الكفار، وعلى أية حال، من سمات أهل الغلو والإفراط، ولم يقل به أحد من أئمة العلم فيما نعلم.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن بلد ماردين: هل هي بلد حرب أم بلد سلم؟ وهل يجب على المسلم المقيم بها الهجرة إلى بلاد الإسلام أم لا؟ وإذا وجبت عليه الهجرة ولم يهاجر، وساعد أعداء المسلمين بنفسه أو ماله، هل يأثم في ذلك؟ وهل يأثم من رماه بالنفاق وسبه به أم لا؟
فأجاب ـ رحمه الله: الحمد لله، دماء المسلمين وأموالهم محرمة حيث كانوا في ماردين، أو غيرها، وإعانة الخارجين عن شريعة دين الإسلام محرمة، سواء كانوا أهل ماردين، أو غيرهم، والمقيم بها إن كان عاجزًا عن إقامة دينه، وجبت الهجرة عليه، وإلا استحبت، ولم تجب، ومساعدتهم لعدو المسلمين بالأنفس والأموال، محرمة عليهم، ويجب عليهم الامتناع من ذلك بأي طريق أمكنهم من تغيب، أو تعريض، أو مصانعة، فإذا لم يمكن إلا بالهجرة، تعينت، ولا يحل سبهم عمومًا، ورميهم بالنفاق، بل السب والرمي بالنفاق يقع على الصفات المذكورة في الكتاب والسنة، فيدخل فيها بعض أهل ماردين، وغيرهم.
وأما كونها دار حرب أو سلم، فهي مركبة فيها المعنيان، ليست بمنزلة دار السلم التي يجري عليها أحكام الإسلام؛ لكون جندها مسلمين، ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار، بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه، ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه. اهـ.
وجاء في كتاب (الدرر السنية في الأجوبة النجدية) خلال جواب عن الهَجْر: .. هذه الجملة فيها أقسام، ولها تفاصيل، منها:
- هجر الكفار والمشركين ... وقلب المؤمن لا يخلو من عداوة الكافر، وإنما النزاع في إظهار العداوة، فإنها قد تخفى لسبب شرعي، وهو الإكراه مع الاطمئنان. وقد تخفى العداوة من مستضعف معذور، عذره القرآن. وقد تخفى لغرض دنيوي، وهو الغالب على أكثر الخلق، هذا إن لم يظهر منه موافقة ...
- والثاني: مسلم ترخص لنفسه، وآثر دنياه، واختار أوطانهم لعذر من الأعذار الثمانية؛ فهجر هذا الصنف من الناس، هو من باب هجر أهل المعاصي، الذي ترجم له البخاري وغيره. ولا يهجر هجر الكفار؛ بل له حقوق في الإسلام، منها مناصحته، والدعاء له، إلا أنا لا نظهر له محبة، وملاطفة كالذين آمنوا وعملوا الصالحات، بحيث إنه لا يرى له ذنبًا، ويغتر به غيره. اهـ.
وجاء في (عون المعبود): وفي (فيض القدير): (من جامع المشرك) بالله، والمراد الكافر، ونص على الشرك؛ لأنه الأغلب حينئذ (وسكن معه) أي: في ديار الكفر (فإنه مثله) أي: من بعض الوجوه؛ لأن الإقبال على عدو الله، وموالاته، توجب إعراضه عن الله، ومن أعرض عنه، تولاه الشيطان، ونقله إلى الكفران. اهـ.
وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 290179.
وراجع في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ .. [النساء: 97] الفتوى رقم: 348775.
وبالجملة؛ فما ذكر في هذا الموقع مما يعتبره صاحبه تأصيلًا، فإنه ليس تأصيلًا شرعيًّا، ولا يستند إلى حجة صحيحة، ولم يقل به أحد ممن يعتد به من أهل العلم الراسخين، ولا يتسع المجال هنا لنقضه تفصيلًا.
والذي نؤكد عليه هنا هو أن الرجوع لصفحات الشبكة العنكبوتية دون أهل العلم المعروفين، سبب من أسباب الانحراف والضلال، وينبغي أن يعرف المسلم من أين يأخذ دينه، ويتعلم أحكامه، ولا سيما في المسائل الكبار.
والله أعلم.