الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        [ ص: 39 ] بسم الله الرحمن الرحيم إياك نعبد وإياك نستعين ، يا من هو المحمود المشكور على الحقيقة ، إذ لا منعم سواه ، وكل نفع يجري على يد غيره فهو الذي أجراه ، وكل خير يصل إلى بعض مخلوقاته من بعض فهو الذي قدره وقضاه .

                        فأحمده حمدا يرضاه ، وأشكره شكرا يقابل نعماه ، وإن كانت غير محصاة ; امتثالا لأمره ، لا قياما بحق شكره ; فإن لساني وجناني وأركاني لا تقوم بشكر أقل نعمة من نعمه العظيمة ، ولا تؤدي بعض البعض مما يجب علي من شكر أياديه الجسيمة .

                        والصلاة والسلام على رسوله المصطفى ، محمد المبعوث إلى الأحمر من العباد والأسود ، صلاة وسلاما يتجددان بتجدد الأوقات ، ويتكرران بتكرر الآنات ، وعلى آله الأبرار وصحابته الأخيار .

                        ( وبعد ) : فإن علم " أصول الفقه " لما كان هو العلم الذي يأوي إليه الأعلام ، والملجأ الذي يلجأ إليه عند تحرير المسائل ، وتقرير الدلائل في غالب الأحكام ، وكانت مسائله المقررة وقواعده المحررة ، تؤخذ مسلمة عند كثير من الناظرين ، كما نراه في مباحث الباحثين وتصانيف المصنفين ، فإن أحدهم إذا استشهد لما قاله بكلمة من كلام أهل الأصول ، أذعن له المنازعون ، وإن كانوا من الفحول ، لاعتقادهم أن مسائل هذا [ ص: 40 ] الفن قواعد مؤسسة على الحق الحقيق بالقبول ، مربوطة بأدلة علمية من المعقول والمنقول ، تقصر عن القدح في شيء منها أيدي الفحول ، وإن تبالغت في الطول ، وبهذه الوسيلة صار كثير من أهل العلم واقعا في الرأي ، رافعا له أعظم راية ، وهو يظن أنه لم يعمل بغير علم الرواية ، حملني ذلك بعد سؤال جماعة لي من أهل العلم على هذا التصنيف في هذا العلم الشريف ، قاصدا به إيضاح راجحه من مرجوحه ، وبيان سقيمه من صحيحه ، موضحا لما يصلح منه للرد إليه ، وما لا يصلح للتعويل عليه ، ليكون العالم على بصيرة في علمه ، يتضح له بها الصواب ، ولا يبقى بينه وبين درك الحق الحقيق بالقبول الحجاب .

                        فاعلم يا طالب الحق أن هذا كتاب تنشرح له صدور المنصفين ، ويعظم قدره بما اشتمل عليه من الفوائد الفرائد ، في صدور قوم مؤمنين ، ولا يعرف ما اشتمل عليه من المعارف الحقة إلا من كان من المحققين .

                        ولم أذكر فيه من المبادئ التي يذكرها المصنفون في هذا الفن إلا ما كان لذكره مزيد فائدة ، يتعلق به تعلقا تاما ، وينتفع بها فيه انتفاعا زائدا .

                        وأما المقاصد : فقد كشفت لك عنها الحجاب ، كشفا يتميز به الخطأ من الصواب ، بعد أن كانت مستورة عن أعين الناظرين بأكثف جلباب ، وإن هذا لهو أعظم فائدة يتنافس فيها المتنافسون من الطلاب ; لأن تحرير ما هو الحق هو غاية الطلبات ونهاية الرغبات ، لا سيما في مثل هذا الفن الذي رجع كثير من المجتهدين بالرجوع إليه إلى التقليد ، من حيث لا يشعرون ، ووقع غالب المتمسكين بالأدلة بسببه في الرأي البحت وهم لا يعلمون ، وسميته : ( إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول ) .

                        ورتبته على مقدمة ، وسبعة مقاصد ، وخاتمة :

                        أما المقدمة فهي مشتملة على فصول أربعة :

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية