الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  223 88 - حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن أبي وائل ، عن حذيفة قال : رأيتني أنا والنبي صلى الله عليه وسلم نتماشى ، فأتى سباطة قوم خلف حائط ، فقام كما يقوم أحدكم ، فبال ، فانتبذت منه ، فأشار إلي فجئته ، فقمت عند عقبه حتى فرغ .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة ، وهي في الموضعين .

                                                                                                                                                                                  ( بيان رجاله ) : وهم خمسة ، وقد تقدموا بهذا الترتيب في باب من جعل لأهل العلم أياما ، وجرير هو ابن عبد الحميد ، ومنصور هو ابن المعتمر ، وأبو وائل شقيق ، وحذيفة ابن اليمان رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                  ( بيان لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في الموضعين ، والعنعنة في ثلاثة مواضع ، ورواته ما بين كوفي ورازي [ ص: 137 ] وتعدد موضعه ، ومن أخرجه غيره قد مر بيانها في الباب السابق .

                                                                                                                                                                                  ( بيان لغته ) : قوله : " حائط " أي جدار ، ويجيء بمعنى البستان في غير هذا الموضع ، وأصله واوي من الحوط ، قوله : " فانتبذت " أي تنحيت ، ومادته نون وباء موحدة وذال معجمة ، وقال الجوهري : جلس فلان نبذة بفتح النون وضمها أي ناحية ، وانتبذ فلان أي ذهب ناحيته ، وقال الخطابي : فانتبذت منه أي : تنحيت عنه حتى كنت منه على نبذة ، قوله : " عقبه " ، بفتح العين وكسر القاف ، وهو مؤخر القدم ، وهي مؤنثة ، وعقب الرجل أيضا ولده وولد ولده ، وفيها لغتان كسر القاف وسكونها ، وهي أيضا مؤنثة .

                                                                                                                                                                                  ( بيان إعرابه ) : قوله : " رأيتني " بضم التاء المثناة من فوق ، ومعناه : رأيت نفسي ، وبهذا التقدير يندفع سؤال من يقول : كيف جاز أن يكون الفاعل والمفعول عبارة عن شيء واحد ، وهذا التركيب جائز في أفعال القلوب لأنه من خصائصها ، ولا يجوز في غيرها ، قوله : " أنا " للتأكيد لصحة عطف لفظ النبي على الضمير المنصوب على المفعولية ، والتقدير : رأيت نفسي ، ورأيت النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال الكرماني : بنصب النبي لأنه عطف على المفعول لا على الفاعل ، وعليه الرواية ، قلت : ويجوز رفع النبي أيضا لصحة المعنى عليه ، ولكن إن صحت رواية النصب يقتصر عليها ، قوله : " نتماشى " ، جملة في محل النصب على الحال تقديره : ورأيت نفسي والنبي حال كوننا متماشيين ، قوله : " فأشار " ، أي أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلي بعد أن بعدت منه ، ولكن لم أبعد منه بحيث لا يراه ، وفي رواية مسلم : " ادنه " ، وقال بعضهم : رواية البخاري هذه بينت أن رواية مسلم : " ادنه " ، كان بالإشارة لا باللفظ ، قلت : يرد عليه رواية الطبراني من حديث عصمة بن مالك قال : " خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض سكك المدينة ، فانتهى إلى سباطة قوم ، فقال : يا حذيفة ، استرني " الحديث ، فهذا صريح بأن إعلامه كان باللفظ ، وممكن أن يجمع بين الروايتين بأن يكون عليه الصلاة والسلام أشار أولا بيده أو برأسه ، ثم قال : استرني ، وقال هذا القائل أيضا ، وليست فيه دلالة على جواز الكلام في حال البول ، قلت : هذا الكلام من غير رواية إذ إشارته عليه الصلاة والسلام إلى حذيفة أو قوله : " استرني " ، لم يكن إلا قبل شروعه في البول ، فكيف يظن من ذلك ما قاله حتى ينفي ذلك .

                                                                                                                                                                                  ويستنبط منه من الأحكام ما استنبط من الحديث السابق ، وفيه أيضا جواز طلب البائل من صاحبه القرب منه ليستره ، وفيه أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا أراد قضاء حاجة الإنسان توارى عن أعين الناس بما يستره من حائط أو نحوه ، وقال ابن بطال : من السنة أن يقرب من البائل إذا كان قائما ، هذا إذا أمن أن يرى منه عورة ، وأما إذا كان قاعدا فالسنة البعد منه ، وإنما انتبذ حذيفة منه لئلا يسمع شيئا مما جرى في الحدث ، فلما بال عليه الصلاة والسلام قائما ، وأمن عليه الصلاة والسلام ما خشيه حذيفة أمره بالقرب منه ، وقال الكرماني : وإنما بعد منه وعينه تراه لأنه كان يحرسه ، أي يحرس النبي عليه الصلاة والسلام ، قلت : هذا إنما يتأتى قبل نزول قوله تعالى : والله يعصمك من الناس لأنه صلى الله عليه وسلم كان يحرسه جماعة من الصحابة قبل نزول هذه الآية ، فلما نزلت ترك صلى الله عليه وسلم الحرس .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية