الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولو نصب ) الإمام ، أو نائبه ( قاضيين ) ، أو أكثر ( ببلد وخص كلا بمكان ) منه ( أو زمن ، أو نوع ) كأن جعل أحدهما يحكم في الأموال ، أو بين الرجال ، والآخر في الدماء ، أو بين النساء ( جاز ) ؛ لعدم المنازعة بينهما ، فإن كان رجل وامرأة وليس ثم إلا قاضي رجال ، أو قاضي نساء لم يحكم بينهما ، بخلاف ما إذا وجدا ؛ فإن العبرة بالطالب على ما مر ( ، وكذا إن لم يخص في الأصح ) كنصب الوصيين ، والوكيلين في شيء . وإذا كان في بلدة قاضيان ، فإن كان أحدهما أصلا أجيب داعيه ، وإلا فمن سبق داعيه ، فإن جاءا معا أقرع ، فإن تنازعا في اختيارهما أجيب المدعي ، فإن كان كل طالبا ومطلوبا كأن اختلفا فيما يقتضي تحالفا فأقربهما وإلا فالقرعة . وقضية المتن أنه حيث لم يشرط اجتماعا ولا استقلالا حمل على الاستقلال وفارق نظيره في الوصيين [ ص: 120 ] بأن الاجتماع هنا ممتنع فلم يحمل عليه تصحيحا للكلام ما أمكن ، والاجتماع ثم جائز فحمل عليه ؛ لأنه أحوط ( إلا أن يشرط اجتماعهما على الحكم ) فلا يجوز قطعا ؛ لاختلاف اجتهادهما غالبا فلا تنفصل الخصومات . وقضيته أنهما لو كانا مقلدين لإمام واحد ، ولا أهلية لهما في نظر ، ولا ترجيح ، أو شرط اجتماعهما على المسائل المتفق عليها صح شرط اجتماعهما ؛ لأنه لا يؤدي إلى تخالف اجتهاد ولا ترجيح ولو حكما اثنين اشترط اجتماعهما ، بخلاف ما ذكر في القاضيين لظهور الفرق قاله في المطلب . ( فرع )

                                                                                                                              يشترط تعيين ما يولى فيه ، نعم إن اطرد عرف بتبعية بلاد لبلاد في توليتها دخلت تبعا لها ويستفيد بتولية القضاء العام سائر الولايات وأمور الناس حتى نحو زكاة وحسبة لم يفوضا لغيره ، والأوجه في " احكم بين الناس " أنه خاص بالحكم لا يتجاوز لغيره ، ويفرق بينه وبين " وليتك القضاء " بأنه في هذا التركيب بمعنى إمضاء الأمور وسائر تصرفات القاضي فيها إمضاء ، بخلاف الحكم .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : فإن العبرة بالطالب إلخ ) هلا جاز أيضا إذا وجد أحدهما فقط ، وكان الطالب ممن شملته ولايته وما الفرق ( قوله : وإذا كان في البلد قاضيان فإن كان أحدهما أصلا أجيب داعيه وإلا فمن سبق داعيه إلخ ) المراد بداعيه كما هو ظاهر رسوله وعبارة الروض وشرحه : فإن طلبا أي : القاضيان خصما بطلب خصمه له منهما أجاب السابق منهما بالطلب وإلا بأن طلبا معا أقرع بينهما ، وإن تنازع الخصمان في اختيار القاضيين إلخ . ( قوله : فإن تنازعا ) أي : الخصمان وقوله : في اختيارهما أي : القاضيين . ( قوله : وإلا فالقرعة ) بأن استويا في القرب . ( قوله : وفارق نظيره في الوصيين ) إليهما .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : الإمام ) إلى الفرع في المغني إلا قوله : بخلاف ما إلى المتن ، وما سأنبه عليه . ( قوله : أو نائبه ) هلا قال : أو من ألحق به نظير ما مر في شرح ، ويندب للإمام . ( قوله : أو أكثر ) قال الماوردي والروياني بشرط أن يقل عددهم ، فإن كثر لم يصح قطعا ولم يحدوا القلة ، والكثرة بشيء قال في المطلب : ويجوز أن يناط ذلك بقدر الحاجة انتهى وهذا ظاهر ا هـ مغني . ( قوله : فإن كان رجل إلخ ) عبارة المغني وعلى هذا لو اختصم رجل وامرأة لم يفصل واحد منهما الخصومة فلا بد من ثالث يتولى القضاء بين الرجال ، والنساء قال الأذرعي : وقس بهذا ما أشبهه . ا هـ . ( قوله : على ما مر ) أي : قبيل قول المتن : ويندب . ( قول المتن : وكذا إن لم يخص ) أي : كلا من القاضيين بما ذكر بل عمم ولا ولايتهما أو أطلق . ا هـ . مغني . ( قوله : وإذا كان إلخ ) عبارة المغني ، والروض مع شرحه ، وإن طلب القاضيان خصما بطلب خصمه له منهما أجاب السابق منهما بالطلب فإن طلبا معا أقرع بينهما ، وإن تنازع الخصمان في اختيار القاضيين أجيب الطالب للحق دون المطلوب به ، فإن تساويا بأن كان كل طالبا ، ومطلوبا باحتكامها في قسمة ملك ، أو اختلفا في قدر ثمن مبيع ، أو صداق اختلافا يوجب تحالفهما تحاكما عند أقرب القاضيين إليهما ، فإن استويا في القرب إليهما عمل بالقرعة ولا يعوض عنهما حتى يصطلحا لئلا يؤدي إلى طول التنازع . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : فإن كان أحدهما أصلا ) أي : والآخر خليفته . ( قوله : أجيب داعيه ) أي : رسوله . ا هـ . رشيدي . ( قوله : فإن تنازعا ) أي : الخصمان أي : والصورة أنه لا داعي من جهة القاضي . ا هـ . رشيدي . ( قوله : في اختيارهما ) أي : القاضيين . ا هـ . سم . ( قوله : أجيب المدعي ) محله إن لم يطلب المدعى عليه القاضي الأصيل ، وإلا فهو المجاب ؛ إذ من طلب الأصيل منهما أجيب مطلقا كما قاله الإمام والغزالي وأفتى به الشهاب الرملي . ا هـ . رشيدي . ( قوله : فأقربهما ) أي : فطالب أقربهما يجاب ويجوز رفعه أيضا أي : فأقر بهما يجاب طالبه . ا هـ . ع ش . ( قوله : وإلا ) أي : بأن استويا في القرب . ا هـ . سم ( قوله : في الوصيين ) أي : إليهما . ا هـ . [ ص: 120 ] سم . ( قوله : بأن الاجتماع هنا ممتنع إلخ ) قضيته أنه إذا أمكن الاجتماع كما يأتي في قوله وقضيته أنهما لو كانا إلخ يحمل الإطلاق هنا كالوصية على الاجتماع فليراجع . ( قوله : وقضيته أنهما إلخ ) عبارة المغني وقضية هذا التعليل أنه لو ولى الإمام مقلدين لإمام واحد وقلنا بجواز ولاية المقلد أنه يجوز ، وإن شرط اجتماعهما على الحكم ؛ لأنه لا يؤدي إلى اختلاف ؛ لأن إمامهما واحد ، فإن قيل : قد يكون للإمام الواحد قولان فيرى أحدهما العمل بقول ، والآخر بخلافه فيؤدي إلى النزاع ، والاختلاف أجاب الشيخ برهان الدين الفزاري بأن كلا منهما إنما يحكم بما هو الأصح من القولين وهو كما قال ابن شهبة : ظاهر في المقلد الصرف وعند تصريح ذلك الإمام بتصحيح أحد القولين ، أما إذا كانا من أهل النظر ، والترجيح وإلحاق ما لم يقفا فيه على نص من أئمة المذهب بما هو منصوص وترجيح أحد القولين فهاهنا يقع النزاع ، والاختلاف في ذلك فيتجه المنع أيضا . ا هـ . ( قوله : على المسائل المتفق إلخ ) أي : أو على تصحيح أحد القولين كما مر عن المغني أي ، أو الوجهين كترجيح التحفة مثلا في محال الاختلاف . ( قوله : لظهور الفرق إلخ ) وهو أن التولية للمحكم إنما هي من الخصمين ورضاهما معتبر فالحكم من أحدهما دون الآخر حكم بغير رضا الخصم . ا هـ . ع ش وفيه ما لا يخفى وعبارة البجيرمي وهو أي : الفرق أن القاضيين يقع بينهما الخلاف في محل الاجتهاد بخلاف المحكمين وفيه أن المحكمين قد يكونان مجتهدين إلا أن هذا نادر . ا هـ . ويحتمل أن مراد المطلب أن عدم انفصال الخصومة هنا نشأ عن نفس المتخاصمين ، والحد لا يعدو عنهما وفي القاضيين عن الإمام المولي لهما الواجب عليه فصل الخصومات .

                                                                                                                              ( قوله : نعم إن اطرد إلخ ) عبارة الأسنى ، والمغني فرع قال الماوردي : ولو قلده أي : الإمام بلدا ، أو سكت عن نواحيها ، فإن جرى العرف بإفرادها عنها لم تدخل في ولايته وإن جرى بإضافتها دخلت ، وإن اختلف العرف روعي أكثرهما عرفا ، فإن استويا روعي أقربهما عهدا . ا هـ .




                                                                                                                              الخدمات العلمية