الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ويبحث ) بالرفع ( القاضي ) ندبا ( عن حال علماء البلد ) ، أي : محل ولايته ( وعدوله ) إن لم يعرفهم قبل دخوله ، فإن تعسر فعقبه ليعاملهم بما يليق بهم ( ويدخل ) وعليه عمامة سوداء " كما فعل صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة يوم الفتح " . والأولى دخوله ( يوم الاثنين ) صبيحته " ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم دخل المدينة فيه حين اشتد الضحى " ، فإن تعسر فالخميس فالسبت وصح خبر { اللهم بارك لأمتي في بكورها } ، ومن ثم قال المصنف [ ص: 131 ] ينبغي تحريها بفعل وظائف الدين ، والدنيا فيها ، وعقب دخوله يقصد الجامع فيصلي ركعتين ، ثم يأمر بعهده ليقرأ ، ثم بالنداء من كانت له حاجة ؛ ليأخذ في العمل ويستحق الرزق . وقضيته أنه لا يستحقه من حين التولية وبه صرح الماوردي ( وينزل ) حيث لا موضع مهيأ للقضاء ( وسط ) بفتح السين على الأشهر ( البلد ) ليتساوى الناس في القرب منه ( وينظر أولا ) ندبا بعد أن يتسلم من الأول ديوان الحكم ، وهو الأوراق المتعلقة بالناس ، وأن ينادي في البلد متكررا أن القاضي يريد النظر في المحابيس يوم كذا فمن كان له محبوس فليحضر . ( في أهل الحبس ) حيث لا أحوج بالنظر منهم هل يستحقونه ، أو لا ؟ لأنه عذاب ، ويقرع في البداءة فمن قرع أحضر خصمه ويفصل بينهما وهكذا ( فمن قال : حبست بحق أدامه ) إلى أدائه ، أو ثبوت إعساره وبعده ينادي عليه لاحتمال ظهور غريم آخر ثم يطلقه ، أو إلى استيفاء حد حبس له ، أو إلى ما يناسب جريمة مغزر إن لم ير ما مضى كافيا ( أو ) قال : حبست ( ظلما فعلى خصمه حجة ) إن حضر ، فإن أقامها أدامه [ ص: 132 ] وإلا حلفه وأطلقه من غير كفيل ، إلا أن يراه فحسن . ونازع فيه البلقيني وأطال في أن الحجة إنما هي على المحبوس ؛ إذ الظاهر أنه إنما حبس بحق ( فإن كان ) خصمه ( غائبا ) عن البلد ( كتب إليه ليحضر ) لفصل الخصومة بينهما أو يوكل ؛ لأن القصد إعلامه ليلحن بحجته ، فإن علم ولم يحضر ، ولا وكل حلف وأطلق ؛ لتقصير الغائب . ونازع فيه وأطال أيضا ( ثم ) في ( الأوصياء ) وكل متصرف على الغير بعد ثبوت ولايتهم عنده ؛ لأن ذا المال لا يملك المطالبة بماله فناب القاضي عنه ؛ لأنه وليه العام إن كان ببلده ، وإن كان ماله ببلد آخر ؛ لما مر أن الولاية العامة لصاحب بلد المالك .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : بالرفع ) كأنه احتراز عن الجزم بالعطف على ليكتب ، لكن ما المانع . ( قوله : ليتساوى ) الناس في القرب منه كأن المراد تساوي كل مع نظيره فأهل أطراف البلد يتساوون ، وكذا من يليهم وهكذا ، وإلا فأهل الأطراف مثلا لا يتساوون مع من قرب من الوسط مثلا ، ومع ذلك ففيه نظر ؛ لأنه لو نزل طرف البلد لتساوى كل من نظيره فليتأمل فقد يجاب بأن جميع أهل الأطراف لا يتساوون حينئذ في القرب . ( قوله : أيضا [ ص: 131 ] ليتساوى الناس في القرب منه ) قال الزركشي : وكأنه حيث اتسعت خطته ، وإلا نزل حيث تيسر ش روض . ( قوله : وبعده ) شامل لثبوت الإعسار وعبارة الروض وشرحه : فمن اعترف منهم بحق طولب به ، وإن أوفى [ ص: 132 ] الحق أو ثبت إعساره كما ذكره الأصل نودي عليه فلعل له غريما آخر م ر .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : بالرفع ) إلى قول المتن : ثم الأوصياء في المغني إلا قوله : وصح إلى قال المصنف : وما سأنبه عليه وقوله : إلا أن يراه فحسن ( قوله : بالرفع ) كأنه احتراز عن الجزم بالعطف على ليكتب ، لكن ما المانع . ا هـ . سم كقوله الآتي : ليعاملهم إلخ . ( قوله : قبل دخوله ) متعلق ببحث . ا هـ . رشيدي . ( قوله : فإن تعسر إلخ ) عبارة الأسنى فيسأل عن ذلك قبل الخروج ، فإن تعسر ففي الطريق ، فإن تعسر يدخل . ا هـ . زاد المغني ( تنبيه ) يندب إذا ولي أن يدعو أصدقاءه الأمناء ليعلموا عيوبه ليسعى في زوالها كما ذكره الرافعي . ا هـ . ( قوله : وعليه عمامة سوداء إلخ ) فيه إشارة إلى أن هذا الدين لا يتغير ؛ لأن سائر الألوان يمكن تغيرها بخلاف السواد . ا هـ . ع ش . ( قوله : فيه ) أي : يوم الاثنين . ( قوله : وصح إلخ ) تعليل لقوله : صبيحته . ( قوله : ينبغي إلخ ) عبارة المغني قال المصنف : ويستحب لمن كان له وظيفة من وظائف الخير كقراءة قرآن ، أو حديث ، أو ذكر أو صنعة من الصنائع ، أو عمل من الأعمال أن يفعل ذلك أول النهار إن أمكنه [ ص: 131 ] وكذلك من أراد سفرا ، أو إنشاء أمر كعقد النكاح ، أو غيره ذلك من الأمور . ا هـ . ( قوله : تحريها ) أي : البكور . ا هـ . ع ش وكذا ضمير فيها . ( قوله : ثم يأمر بعهده إلخ ) عبارة الروض مع شرحه ، ثم إن شاء قرأ العهد فورا ، وإن شاء واعد الناس ليوم يحضرون فيه ليقرأه عليهم ، وإن كان معه شهود شهدوا ، ثم انصرف إلى منزله . ا هـ . ( قوله : من كانت له حاجة ) أي : فليحضر ( قوله : وبه صرح الماوردي ) عبارة المغني قال ابن شهبة : وقد صرح الماوردي بذلك فقال : لا يستحق قبل الوصول إلى عمله فإذا وصل ونظر استحق ، وإن وصل ولم ينظر فإن تصدى للنظر استحق ، وإن لم ينظر كالأجير إذا سلم نفسه ، وإن لم يتصد لم يستحق انتهت ويظهر أن مثل القضاء في ذلك بقية الوظائف كالتدريس ونحوه . ا هـ . سيد عمر .

                                                                                                                              ( قول المتن : وينزل وسط البلد ) قد يؤخذ من هذا مع تعليله أن كل من يعم الحاجة إليه يندب له ذلك كالمفتي ، والطبيب . وهذا فرع نفيس قلته تخريجا ، وإن لم أر من نبه عليه . ا هـ . سيد عمر . ( قوله : وينزل حيث لا موضع إلخ ) هذا إذا اتسعت خطته كما قاله الزركشي ، وإلا نزل حيث تيسر مغني وأسنى ( قوله : ليتساوى في القرب منه ) كأن المراد تساوي كل من نظيره فأهل أطراف البلد يتساوون وكذا من يليهم وهكذا وإلا فأهل الأطراف مثلا لا يتساوون مع من قرب من الوسط مثلا . ا هـ . سم وحاصله التساوي بقدر الإمكان . ( قوله : ندبا ) كما صرح به الرافعي ، لكن نقل ابن الرفعة عن الإمام أنه واجب وأقره ، والأولى أن يقال : ما دعت إليه مصلحة وجب تقديمه كما يؤخذ مما يأتي . ا هـ . مغني . ( قوله : من الأول ) أي : القاضي الأول . ( قوله : وهو من الأوراق إلخ ) عبارة المغني ، والروض مع شرحه وهو ما كان عند القاضي قبله من المحاضر وهي التي فيها ذكر ما جرى من غير حكم ، والسجلات وهي ما يشتمل على الحكم وحجج الأيتام وأموالهم ونحو ذلك من الحجج المودعة في الديوان كحجج الأوقاف . ( قوله : وأن ينادي ) معطوف على أن يتسلم . ا هـ . رشيدي . ( قوله : متكررا ) عبارة المغني وأن يأمر مناديا ينادي يوما ، أو أكثر على حسب الحاجة . ا هـ .

                                                                                                                              ( قول المتن : في أهل الحبس ) وإنما قدم عليهم ما مر أي : من تسلم ديوان الحكم ، والنداء ؛ لأنه أهم ، ويؤخذ منه ما جزم به البلقيني أنه يقدم على البحث عنهم كل ما كان أهم منه كالنظر في المحاجير الجائعين الذين تحت نظره ، وما أشرف على الهلاك من الحيوان في التركات وغيرها ، وما أشرف من الأوقاف وأملاك محاجيره على السقوط بحيث يتعين الفور في تداركه أسنى ومغني . ( قوله : لأنه عذاب ) علة لما في المتن ( قوله : ويقرع في البداءة ) ندبا عند اجتماع الخصوم فلو حضروا مترتبين نظر وجوبا في حال كل من قدم أولا ولا ينتظر حضور غيره . ا هـ . ع ش .

                                                                                                                              ( قوله : ويقرع في البداءة إلخ ) عبارة المغني ويبعث إلى الحبس أمينا من أمنائه يكتب في رقاع أسماءهم ، وما حبس به كل منهم ، ومن حبس له في رقعة فإذا جلس اليوم الموعود وحضر الناس صب تلك الرقاع بين يديه فيأخذ واحدة واحدة وينظر في الاسم المثبت فيها ويسأل عن خصمه فمن قال : أنا خصمه بعث معه ثقة إلى الحبس ليأخذ بيده ، ويخرجه . وهكذا يحضر من المحبوسين بقدر ما يعرف أن المجلس يحتمل النظر في أمرهم ويسألهم بعد اجتماعهم عن سبب حبسهم . ا هـ . ( قوله : وبعده ) شامل لثبوت الإعسار وعبارة الروض وشرحه فمن اعترف منهم بحق طولب به ، وإن أوفى الحق ، أو ثبت إعساره كما ذكره الأصل نودي عليه فلعل له غريما آخر م ر . ا هـ . سم .

                                                                                                                              ( قوله : لاحتمال ظهور غريم آخر ) أي : غريم هو محبوس له أيضا ، وإلا فلا وجه للمناداة على كل غرمائه وإن لم يكن محبوسا لهم كما هو ظاهر وعبارة الروض وغيره ظاهر في ذلك . ا هـ . رشيدي . ( قوله : ثم يطلقه ) عبارة الروض مع شرحه ، والمغني ، ثم إذا لم يحضر له غريم يطلق من الحبس بلا يمين ؛ لأن الأصل عدم غريم آخر . ا هـ . وعبارة النهاية ولا يحبس حال النداء ولا يطالب بكفيل بل يراقب . ا هـ . قال ع ش : ظاهره ، وإن خيف هربه ، ويوجه بأنا لم نعلم الآن ثبوت حق عليه حتى يحبس لأجله . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : أو إلى استيفاء حد إلخ ) عبارة النهاية ، والمغني ، وإن كان الحق حدا أقامه عليه وأطلقه ، أو تعزيرا ورأى إطلاقه فعل . ا هـ . ( قوله : جريمة معزر ) بصيغة اسم المفعول من التعزير . ( قول المتن : فعلى خصمه حجة ) أنه حبسه ويكفي المدعي إقامة [ ص: 132 ] بينة بإثبات الحق الذي حبس به ، أو بأن القاضي المعزول حكم عليه بذلك . ا هـ . مغني . ( قوله : حلفه ) أي : المحبوس . ا هـ . رشيدي . ( قوله : ونازع فيه ) أي : في المتن . ( قوله : إنما حبس ) أي حبسه الحاكم . ا هـ . مغني . ( قول المتن : كتب إلخ ) عبارة المغني طالبه بكفيل ، أو رده إلى حبس وكتب إلخ . ( قول المتن : إليه ) قال الزركشي : إلى قاضي بلد خصمه وقال ابن المقري إلى خصمه وهو أقرب إلى قول المصنف : ليحضر . ا هـ . مغني . ( قوله : لأن القصد إعلامه ) أي : لا إلزامه بالحضور . ا هـ . مغني . ( قوله : ليلحن ) أي : يفصح وقوله : حلف أي : وجوبا . ا هـ . ع ش .

                                                                                                                              ( قوله : ونازع فيه ) أي : لعل في قوله : ليلحن بحجته إلخ . ( قول المتن : ثم الأوصياء ) أي : ثم بعد النظر في أهل الحبس ينظر في حال الأوصياء على الأطفال ، والمجانين ، والسفهاء قال الماوردي : ويبدأ في الأوصياء ونحوهم بمن شاء من غير قرعة ، والفرق بينهم وبين المحبوسين أن المحابيس ينظر لهم ، والأوصياء ونحوهم ينظر عليهم . ا هـ . مغني ( قوله : وكل متصرف على الغير ) إلى قوله : وحكى شريح في النهاية إلا ما سأنبه عليه . ( قوله : وكل متصرف إلخ ) أي بولاية فليس المراد ما يشمل نحو الوكيل وعامل القراض كما لا يخفى . ا هـ . رشيدي . ( قوله : لأن ذا المال ) إلى قوله : وقيس بهما في المغني إلا قوله : وليس له كشف إلى ، ثم ينظر وقوله : وكذا ما بعده وقوله وقال إلى المتن وقوله : أو الشهود وقوله : وإن كان شهوده كلهم أعجميين . ( قوله : فناب القاضي عنه إلخ ) أي : وكان تقديمهم أولى مما بعدهم . ا هـ . مغني . ( قوله : لما مر ) أي : في باب الحجر . ( قوله : لصاحب بلد المالك ) أي : لحاكمه . ا هـ . نهاية .




                                                                                                                              الخدمات العلمية