الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
( العاشر )

اعلم رحمك الله - تعالى - أن اصطلاحي في هذا الشرح الاستدلال بالكتاب وبقول النبي الكريم - عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، واقتفاء بالصحابة الكرام - رضوان الله تعالى عليهم ، وما درج عليه الرعيل الأول من القرون المفضلة ، مما تلقاه أئمة الدين بالقبول ، وأثبتوه بالنقول ، وأصلوه في الأصول ، وإن زعم متحذلق أنه يباين العقول فهو كلام باطل ، ومذهب معلول . فإن الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام ، تأتي بمحارات العقول لا بمحالاتها ، فمن زعم أن العقل يحيل شيئا مما جاءت به الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - فلا يخلو من أحد أمرين : إما عدم ثبوته عنهم ، وإما عجز العقل عن إدراكه ، ولا يلزم من عجز العقول عن إدراك شيء من الأصول أو غيرها أن يكون مستحيلا ، كحديث النزول مع عدم الانتقال ، وكون القرآن كلام الله وصفته مع عدم الانفصال ، ونظائر ذلك كثيرة جدا ، فمن لم [ ص: 28 ] يسلم للمنقول ، وقابله بالرد بالمعقول ، فهو ضال مخبول ، فمذهبنا هو ما وافق صحيح المنقول ، وصريح المعقول الذي يجمع ما في الأقوال المختلفة من الصواب ، ويجتنب ما فيها من الخطأ والارتياب ، وهذا هو مذهب سلف الأمة وسائر الأئمة ، وهو الذي يدل عليه الكتاب والسنة ، وإجماع السلف ، فإن الله - تعالى - بين في كتابه الحق بما ضربه فيه من الأمثال للخلق ، ويذكر لك من البراهين ، ما يفيد لسليم الصدر عين اليقين ، فإذا تأمل العاقل الفهيم نهاية ما يذكره أهل النظر من جميع طوائف المتكلمة والمتفلسفة ونحوهم ، يجد الذي في القرآن أكمل منه وأوضح بيانا ، مع سلامته من المراء والجدال ، وزبالات أفهام الرجال ، ومن لم يكن علمه متلقى من الكتاب والسنة فهو غير نافع ولا منتفع به ، بل ضره أكثر من نفعه ، وعلامة هذا العلم - كما قال الحافظ ابن رجب - أن يكتسب صاحبه الزهو والفخر ، والعجب والخيلاء ، وطلب العلو والرفعة في الدنيا ، والمنافسة فيها وطلب مباهاة العلماء ، ومماراة السفهاء ، وصرف وجوه الناس إليه .

ومرادي بالشيخ وشيخ الإسلام حيث أطلق شيخ الإسلام ابن تيمية ، ومرادي بالمحقق تلميذه ابن القيم ، وبالعلامة ابن مفلح . واعلم أن غالب ما في هذه التعريفات ستمر بك في محالها ، وإنما قصدت جمعها لك لتكون على بصيرة منها ، وهذا أوان الشروع في المقصود من شرح المنظومة ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية