الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن سورة الصف

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله - تعالى - يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا [ ص: 334 ] ما لا تفعلون قال أبو بكر : يحتج به في أن كل من ألزم نفسه عبادة أو قربة وأوجب على نفسه عقدا لزمه الوفاء به ؛ إذ ترك الوفاء به يوجب أن يكون قائلا ما لا يفعل ، وقد ذم الله فاعل ذلك ، وهذا فيما لم يكن معصية ، فأما المعصية فإن إيجابها في القول لا يلزمه الوفاء بها . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين ، وإنما يلزم ذلك فيما عقده على نفسه مما يتقرب به إلى الله - عز وجل - مثل النذور وفي حقوق الآدميين العقود التي يتعاقدونها ، وكذلك الوعد بفعل يفعله في المستقبل ، وهو مباح ، فإن الأولى الوفاء به مع الإمكان فأما قول القائل : " إني سأفعل كذا " فإن ذلك مباح له على شريطة استثناء مشيئة الله - تعالى - وأن يكون في عقد ضميره الوفاء به ، ولا جائز له أن يعد وفي ضميره أن لا يفي به ؛ لأن ذلك هو المحظور الذي نهى الله عنه ومقت فاعله عليه ، وإن كان في عقد ضميره الوفاء به ولم يقرنه بالاستثناء فإن ذلك مكروه ؛ لأنه لا يدري هل يقع منه الوفاء به أم لا .

فغير جائز له إطلاق القول في مثله مع خوف إخلاف الوعد فيه وهو يدل على أن من قال : " إن فعلت كذا فأنا أحج أو أهدي أو أصوم " فإن ذلك بمنزلة الإيجاب بالنذر ؛ لأن ترك فعله يؤديه إلى أن يكون قائلا ما لم يفعل وروي عن ابن عباس ومجاهد : " أنها نزلت في قوم قالوا : لو علمنا أحب الأعمال إلى الله - تعالى - لسارعنا إليه ، فلما نزل فرض الجهاد تثاقلوا عنه " وقال قتادة : " نزلت في قوم كانوا يقولون : جاهدنا وأبلينا ، ولم يفعلوا " وقال الحسن : " نزلت في المنافقين وسماهم بالإيمان لإظهارهم له " وقوله تعالى - : ليظهره على الدين كله من دلائل النبوة لأنه أخبر بذلك والمسلمون في ضعف وقلة وحال خوف مستذلون مقهورون فكان مخبره على ما أخبره به ؛ لأن الأديان التي كانت في تلك الزمان اليهودية والنصرانية والمجوسية والصابئة وعباد الأصنام من السند وغيرهم فلم تبق من أهل هذه الأديان أمة إلا وقد ظهر عليهم المسلمون فقهروهم وغلبوهم على جميع بلادهم أو بعضها وشردوهم إلى أقاصي بلادهم فهذا هو مصداق هذه الآية التي وعد الله - تعالى - رسوله فيها إظهاره على جميع الأديان وقد علمنا أن الغيب لا يعلمه إلا الله - عز وجل - ولا يوحي به إلا إلى رسله فهذه دلالة واضحة على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن قيل كيف يكون ذلك إظهارا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على جميع الأديان ، وإنما حدث بعد موته ؟ قيل له إنما وعد الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يظهر دينه على سائر الأديان ؛ لأنه قال هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله يعني دين [ ص: 335 ] الحق وعلى أنه لو أراد رسوله لكان مستقيما ؛ لأنه إذا أظهر دينه ومن آمن به على سائر الأديان فجائز أن يقال قد أظهر نبيه صلى الله عليه وسلم .

كما أن جيشا لو فتحوا بلدا عنوة جاز أن يقال إن الخليفة فتحه ، وإن لم يشهد القتال إذ كان بأمره وتجهيزه للجيش فعلوا وقوله تعالى - هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم إلى قوله : وفتح قريب وهذا أيضا من دلائل النبوة لوعده من أمر بالنصر والفتح وقد وجد ذلك لمن آمن منهم ، والله الموفق . آخر سورة الصف .

التالي السابق


الخدمات العلمية