الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              8 (4) باب

                                                                                              التحذير من الكذابين

                                                                                              [ 5 ] عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يكون في آخر الزمان دجالون كذابون ، يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم ، فإياكم وإياهم ! لا يضلونكم ، ولا يفتنونكم .

                                                                                              - وقال عبد الله : إن الشيطان ليتمثل في صورة الرجل ، فيأتي القوم فيحدثهم بالحديث من الكذب ، فيتفرقون ، فيقول الرجل منهم : سمعت رجلا - أعرف وجهه ، ولا أدري ما اسمه - يحدث .

                                                                                              - وقال عبد الله بن عمرو بن العاص : إن في البحر شياطين مسجونة ، أوثقها سليمان ; يوشك أن تخرج فتقرأ على الناس قرآنا
                                                                                              .

                                                                                              رواه مسلم ( 7 ) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              (4) ومن باب التحذير من الكذابين

                                                                                              و (قوله : " يكون في آخر الزمان دجالون كذابون ") الحديث . الدجال : هو الكذاب ، المموه بكذبه ، الملبس به ، يقال : دجل الحق بباطله ، أي : غطاه ، ودجل ، أي : موه وكذب به ; وبه سمي الكذاب الأعور ، وقيل : سمي بذلك ; لضربه في [ ص: 119 ] الأرض وقطعه نواحيها ، يقال : دجل الرجل ، بالفتح والضم : إذا فعل ذلك ; حكاه ثعلب .

                                                                                              وهذا الحديث إخبار من النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه سيوجد بعده كذابون عليه ، يضلون الناس بما يضعونه ويختلقونه ، وقد وجد ذلك على نحو ما قاله ; فكان هذا الحديث ، من دلائل صدقه ، ذكر أبو عمر بن عبد البر ، عن حماد بن زيد أنه قال : وضعت الزنادقة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اثني عشر ألف حديث ، بثوها في الناس .

                                                                                              وحكي عن بعض الوضاعين : أنه تاب فبكى ، وقال : أنى لي بالتوبة ؟ وقد وضعت اثني عشر ألف حديث على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلها يعمل بها ؟!

                                                                                              وقد كتب أئمة الحديث كتبا كثيرة ، بينوا فيها كثيرا من الأحاديث الموضوعة المنتشرة في الوجود ، قد عمل بها كثير من الفقهاء الذين لا علم عندهم برجال الحديث .

                                                                                              و (قوله : " فإياكم وإياهم ! لا يضلونكم ، ولا يفتنونكم ") كذا صحت الرواية فيه بإثبات النون ، والصواب حذفها ; لأن ثبوتها يقتضي أن تكون خبرا عن نفي وقوع الإضلال والفتنة ، وهو نقيض المقصود ، فإذا حذفت ، احتمل حذفها وجهين :

                                                                                              أحدهما : أن يكون ذلك مجزوما على جواب الأمر الذي تضمنه إياكم ; فكأنه قال : أحذركم لا يضلوكم ولا يفتنوكم .

                                                                                              وثانيهما : أن يكون قوله : " لا يضلوكم " نهيا ، ويكون ذلك من باب قولهم : لا أرينك هاهنا ، أي : لا تتعرضوا لإضلالهم ولا لفتنتهم .

                                                                                              [ ص: 120 ] و (قوله : " إن في البحر شياطين مسجونة ، أوثقها سليمان ") الحديث ، هذا ونحوه لا يتوصل إليه بالرأي والاجتهاد ، بل بالسمع . والظاهر أن الصحابة إنما تستند في هذا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، مع أنه يحتمل أن يحدث به عن بعض أهل الكتاب .

                                                                                              و (قوله : " يوشك أن تخرج فتقرأ على الناس قرآنا ") : يوشك بكسر الشين ، وهي من أفعال المقاربة ، وماضيها : أوشك ، ومعناه : مقاربة وقوع الشيء وإسراعه ، والوشك ، بفتح الواو : السرعة ، وأنكر الأصمعي الكسر فيها ، وحكى الجوهري الضم فيها .

                                                                                              ويستعمل يوشك على وجهين : ناقصة تفتقر إلى اسم وخبر ، وتامة تستقل باسم واحد :

                                                                                              فالناقصة : يلزم خبرها " أن " غالبا ; لما فيها من تراخي الوقوع ، وتكون بتأويل المصدر ; كقولك : يوشك زيد أن يذهب ، أي : قارب زيد الذهاب ، وربما حذفت " أن " ; تشبيها لها بكاد ; كقول الشاعر :


                                                                                              يوشك من فر من منيته في بعض غراته يوافقها

                                                                                              والتامة : تكتفي باسم واحد ، وهو " أن " مع الفعل بتأويل المصدر ، بمعنى قرب ; كما في خبر عمرو .

                                                                                              هذا والقرآن أصله الجمع ; ومنه قول من مدح ناقته فقال :

                                                                                              . . . . . . . . . .

                                                                                              هجان اللون لم تقرأ جنينا

                                                                                              [ ص: 121 ] وبه سمي كتاب الله قرآنا ; لما جمع من المعاني الشريفة ، ثم قد يقال مصدرا بمعنى القراءة ; كما قال الشاعر في عثمان :

                                                                                              . . . . . . . . .

                                                                                              يقطع الليل تسبيحا وقرآنا

                                                                                              أي : قراءة . ومعنى هذا الحديث الإخبار بأن الشياطين المسجونة ستخرج ، فتموه على الجهلة بشيء تقرؤه عليهم ، وتلبس به ; حتى يحسبوا أنه قرآن ، كما فعله مسيلمة ، أو تسرد عليهم أحاديث تسندها للنبي صلى الله عليه وسلم كاذبة ، وسميت قرآنا ; لما جمعوا فيها من الباطل . وعلى هذا الوجه يستفاد من الحديث التحذير من قبول حديث من لا يعرف .




                                                                                              الخدمات العلمية