الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                القاعدة العشرون " المانع الطارئ هل هو كالمقارن ؟ " فيه خلاف ، والترجيح مختلف في الفروع : فمنها : طريان الكثرة على الاستعمال والشفاء على المستحاضة في أثناء الصلاة والردة على الإحرام ، وقصد المعصية على سفر الطاعة وعكسه ، والإحرام على ملك الصيد وأحد العيوب على الزوجة ، والحلول على دين المفلس الذي كان مؤجلا ، وملك المكاتب زوجة سيده ، والوقف على الزوجة ، أعني إذا وقفت زوجته عليه والأصح في الكل : أن الطارئ كالمقارن ، فيحكم للماء بالطهورية وللصلاة والإحرام بالإبطال ، وللمسافر بعدم الترخص في الأولى ، وبالترخص في الثانية ، وبإزالة الملك عن الصيد ، وبإثبات الخيار للزوج ، وبرجوع البائع في عين ماله ، وبانفساخ النكاح في شراء المكاتب والموقوفة ، كما لا يجوز له نكاح من وقفت عليه ابتداء .

                ومنها : طريان القدرة على الماء في أثناء الصلاة ، ونية التجارة بعد الشراء ، وملك الابن على زوجة الأب ، والعتق على من نكح جارية ولده ، واليسار ونكاح الحرة على حر نكح أمة ، وملك الزوجة لزوجها بعد الدخول قبل قبض المهر ، وملك الإنسان عبدا له في ذمته دين ، والإحرام على الوكيل في النكاح ، والاسترقاق على حربي استأجره مسلم ، والعتق على عبد آجره سيده مدة .

                والأصح في الكل أن الطارئ ليس كالمقارن ، فلا تبطل الصلاة ولا تجب الزكاة ، ولا [ ص: 186 ] ينفسخ النكاح في الصور الأربع ، ولا يسقط المهر والدين عن ذمة العبد ، ولا تبطل الوكالة ، ولا تنفسخ الإجارة في الصورتين .

                تنبيه :

                جزم بأن الطارئ كالمقارن ، في صور : منها : طريان الكثرة على الماء النجس ، والرضاع المحرم ، والردة على النكاح ، ووطء الأب أو الابن أو الأم أو البنت بشبهة ، وملك الزوج الزوجة أو عكسه ، والحدث العمد على الصلاة ، ونية القنية على عروض التجارة وأحد العيوب على الزوج .

                وجزم بخلافه في صور :

                منها : طريان الإحرام ، وعدة الشبهة ، وأمن العنت على النكاح ، والإسلام على السبي ، فلا يزيل الملك ، ووجدان الرقبة في أثناء الصوم ، والإباق ، وموجب الفساد على الرهن ، والإغماء على الاعتكاف ، والإسلام على عبد الكافر فلا يزيل الملك ، بل يؤمر بإزالته ، ودخول وقت الكراهة على التيمم لا يبطله بلا خلاف ; ولو تيمم فيه للنفل لم يصح .

                خاتمة :

                يعبر عن أحد شقي هذه القاعدة بقاعدة : " يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء "

                ولهم قاعدة عكس هذه ، وهي : " يغتفر في الابتداء ما لا يغتفر في الدوام " .

                ومن فروعها : إذا طلع الفجر وهو مجامع ، فنزع في الحال صح صومه .

                ولو وقع مثل ذلك في أثناء الصوم أبطله .

                ومنها : لو أحرم مجامعا بحج أو عمرة ، فأوجه :

                أحدها : ينعقد صحيحا .

                وبه جزم الرافعي في باب الإحرام ، وأقره في الروضة .

                فإن نزع في الحال استمر ، وإلا فسد نسكه ، وعليه البدنة والقضاء والمضي في الفاسد .

                فعلى هذا اغتفر الجماع في ابتداء الإحرام . ولم يغتفر في أثنائه .

                والوجه الثاني : لا ينعقد أصلا وهو الأصح في زوائد الروضة .

                والثالث ، وهو الأصح ينعقد فاسدا ، فإن نزع في الحال لم تجب البدنة ، وإن مكث وجبت .

                والفرق بينه وبين الصوم أن طلوع الفجر ليس من فعله بخلاف إنشاء الإحرام .

                [ ص: 187 ] ومنها : الجنون ، لا يمنع ابتداء الأجل ، فيجوز لوليه أن يشتري له شيئا بثمن مؤجل ، ويمنع دوامه على قول ، صححه في الروضة فيحل عليه الدين المؤجل إذا جن ، ولكن المعتمد خلافه ، ومنها - وهي أجل مما تقدم - : الفطرة ، لا يباع فيها المسكن والخادم .

                قال الأصحاب : هذا في الابتداء ، فلو ثبتت الفطرة في ذمة إنسان بعنا خادمه ومسكنه فيها ; لأنها بعد الثبوت التحقت بالديون .

                ومنها : إذا مات للمحرم قريب وفي ملكه صيد ، ورثه على الأصح ، ثم يزول ملكه عنه على الفور .

                ومنها : الوصية بملك الغير ، الراجح صحتها حتى إذا ملكه بعد ذلك أخذه الموصى له .

                ولو أوصى بما يملكه ثم أزال الملك فيه ، بطلت الوصية ، كذا جزموا به .

                قال الإسنوي : وكان القياس أن تبقى الوصية بحالها ، فإن عاد إلى ملكه أعطيناه الموصى له ، كما لو لم يكن في ملكه حال الوصية ، بل الصحة هنا أولى . انتهى .

                وعلى ما جزموا به ، قد اغتفر في الابتداء ما لم يغتفر في الدوام .

                ومنها : إذا حلف بالطلاق لا يجامع زوجته ، لم يمنع من إيلاج الحشفة على الصحيح ، ويمنع من الاستمرار ; لأنها صارت أجنبية .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية