الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما ركن الإعتاق فهو اللفظ الذي جعل دلالة على العتق في الجملة أو ما يقوم مقام اللفظ فيحتاج فيه إلى بيان الألفاظ التي يثبت بها العتق في الجملة إما مع النية أو بدون النية وإلى بيان ما لا يثبت به العتق من الألفاظ رأسا أما الأول : فالألفاظ التي يثبت بها العتق في الجملة فتنقسم ثلاثة أقسام : صريح ، وملحق بالصريح ، وكناية أما الصريح : فهو اللفظ المشتق من العتق أو الحرية أو الولاء نحو قوله : أعتقتك أو حررتك أو أنت عتيق أو معتق أو أنت مولاي ; لأن الصريح في اللغة اسم لما هو ظاهر المعنى مكشوف المراد عند السامع وهذه الألفاظ بهذه الصفة ، أما لفظ العتق والحرية فلا شك فيه ; لأنه لا يستعمل إلا في العتق فكان ظاهر المراد عند السامع فكان صريحا فلا يفتقر إلى النية كصريح الطلاق ; إذ النية لتعيين المحتمل .

                                                                                                                                وأما لفظ الولاء فالمولى وإن كان من الألفاظ المشتركة في الأصل لوقوعه على مسميات مختلفة الحدود والحقائق بمنزلة اسم العين والقرء وغيرهما ; فإنه يقع على الناصر قال الله تعالى { ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم } ويقع على ابن العم قال الله تبارك وتعالى خبرا عن نبيه زكريا عليه الصلاة والسلام { وإني خفت الموالي من ورائي } ويقع على المعتق والمعتق لكن ههنا لا يحتمل معنى الناصر ; لأن المولى لا يستنصر بعبده ولا ابن العم إذا كان العبد معروف النسب ولا المعتق إذ العبد لا يعتق مولاه فتعين المعتق مرادا به ، واللفظ المشترك يتعين بعض الوجوه الذي يحتمله مراده بدليل معين فكان صريحا في العتق فلا يحتاج إلى النية كقوله أنت حر أو عتيق وكذا إذا ذكر هذه الألفاظ بصيغة النداء بأن قال يا حر يا عتيق يا معتق ; لأنه ناداه بما هو صريح في الدلالة على العتق لكون اللفظ موضوعا للعتق والحرية ولا يعتبر المعنى بالموضوعات فيثبت العتق من غير نية كقوله : أنت حر أو عتيق أو معتق ، وذكر محمد أنه لو كان اسم العبد حرا وعرف بذلك الاسم فقال له : يا حر لا يعتق ; لأنه إذا كان مسمى بذلك الاسم معروفا به لندائه يحمل على الاسم العلم لا على الصفة فلا يعتق وكذا إذا قال له : يا مولاي ; يعتق عليه عند أصحابنا الثلاثة وقال زفر لا يعتق من غير نية ، وجه قوله أن قوله : يا مولاي يحتمل التعظيم ويحتمل العتق فلا يحمل على التحقيق إلا بالنية كقوله : يا سيدي ويا مالكي ، ولنا أن النداء للعبد باسم المولى لا يراد به التعظيم للعبد وإكرامه عادة وإنما يراد به الإعتاق فيحمل عليه كأن قال : أنت مولاي ، ولو قال ذلك ; يعتق عليه كذا هذا بخلاف قوله : يا سيدي ويا مالكي ; لأن هذا قد يذكر على وجه التعظيم والإكرام ; فلا يثبت به العتق من غير قرينة وعلل محمد لهذا فقال : لأنا إنما أعتقناه في قوله : يا مولاي لأجل الولاء لا لأجل الملك ، ومعناه ما ذكرنا ، والله عز وجل أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية