الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك بن شبيب بن عبد الله ، أبو بكر بن مالك القطيعي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      من قطيعة الدقيق ببغداد ، راوي " مسند أحمد " عن ابنه عبد الله ، وقد روى عنه غير ذلك من مصنفات أحمد ، وحدث عن غيره من المشايخ أيضا ، وكان ثقة كثير الحديث ، وقد حدث عنه الدارقطني وابن شاهين والبرقاني وأبو نعيم والحاكم ، ولم يمتنع أحد من الرواية عنه ، ولا التفتوا إلى ما شغب به بعضهم من الكلام فيه ، بسبب غرق بعض كتبه حين غرقت القطيعة بالماء الأسود ، فاستحدث بعضها من نسخ أخر ، وهذا ليس بشيء ; لأنها قد تكون معارضة على كتبه التي غرقت ، والله أعلم . ويقال : إنه تغير في آخر عمره ، فكان لا يدري ما قرئ عليه . وقد جاوز التسعين ، رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تميم بن المعز الفاطمي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وبه كان يكنى ، وقد كان من أكابر أمراء دولة أبيه [ ص: 392 ] وأخيه العزيز ، وفيه كرم ، وله فضيلة ، وقد اتفقت له كائنة غريبة ، وهي أنه أرسل إلى بغداد فاشتريت له جارية مغنية بمبلغ جزيل ، فلما حضرت عنده أضاف أصحابه ، ثم أمرها فغنت - وكانت تحب شخصا ببغداد - :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وبدا له من بعد ما اندمل الهوى برق تألق موهنا لمعانه     يبدو كحاشية الرداء ودونه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صعب الذرى متمنع أركانه     فبدا لينظر كيف لاح فلم يطق
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      نظرا إليه وصده أشجانه     فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      والماء ما سمحت به أجفانه

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم غنته بأبيات أخر ، فاشتد طرب تميم هذا ، وقال لها : لا بد أن تسأليني حاجة ، فقالت : عافيتك . فقال : ومع هذا ، وألح عليها ، فقالت : تردني إلى بغداد حتى أغني بهذه الأبيات ، فوجم ، ثم لم يجد بدا من الوفاء ، فأرسلها مع بعض أصحابه فأحجها ، ثم سار بها إلى بغداد على طريق العراق ، فلما أمسوا في الليلة التي يدخلون من صبيحتها بغداد ذهبت في الليل ، فلم يدر أين ذهبت ، فلما راح الخبر إلى مولاها تألم ألما شديدا ، وندم حيث لا ينفعه الندم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      العقيقي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صاحب الحمام والدار المنسوبتين إليه بمحلة باب البريد بدمشق ، واسمه أحمد بن الحسين بن أحمد بن علي بن محمد العقيقي بن جعفر بن عبد [ ص: 393 ] الله بن الحسين الأصغر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، الشريف أبو القاسم الحسيني العقيقي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عساكر : كان من وجوه الأشراف بدمشق ، وإليه تنسب الدار والحمام بمحلة البريد ، وقد امتدحه الوأواء الدمشقي وذكر أنه توفي يوم الثلاثاء لأربع خلون من جمادى الأولى من هذه السنة ، وأنه دفن من الغد ، وأغلق البلد بسبب جنازته ، وحضرها بكجور وأصحابه - يعني نائب دمشق - ودفن خارج باب الصغير .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : وقد اشترى الملك الظاهر ركن الدين بيبرس داره ، وبناها مدرسة ودار حديث وتربة ، وبها قبره ، وذلك في حدود سنة سبعين وستمائة ، كما سيأتي بيانه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو سعيد السيرافي النحوي : الحسن بن عبد الله بن المرزبان ، أبو سعيد السيرافي النحوي القاضي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سكن بغداد وولي القضاء بها نيابة ، وله شرح كتاب سيبويه وطبقات النحاة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى عن أبي بكر بن دريد وغيره ، وكان أبوه مجوسيا ، وكان أبو سعيد السيرافي هذا عالما باللغة والقراءات والنحو والعروض والفرائض والحساب ، وغير ذلك من فنون العلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 394 ] وكان زاهدا لا يأكل إلا من عمل يده ، كان ينسخ في كل يوم عشر ورقات بعشرة دراهم ، تكون منها نفقته وقوته ، رحمه الله تعالى ، وكان من أعلم الناس بنحو البصريين ، وينتحل مذهب أهل العراق في الفقه ، وقرأ القرآن على ابن مجاهد واللغة على ابن دريد والنحو على ابن السراج والمبرمان ، ونسبه بعضهم إلى الاعتزال ، وأنكره آخرون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكانت وفاته في رجب من هذه السنة عن أربع وثمانين سنة ، ودفن بمقبرة الخيزران .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عبد الله بن إبراهيم بن أبي القاسم الزنجاني ، ويعرف بالآبندوني

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      رحل في طلب الحديث إلى الآفاق ، ورافق ابن عدي في بعض ذلك ، ثم سكن بغداد وحدث بها عن أبي يعلى ، والحسن بن سفيان ، وابن خزيمة ، وغيرهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان ثقة ثبتا له مصنفات ، زاهدا ، روى عنه البرقاني ، وأثنى عليه خيرا ، وذكر أن أكثر أكله الخبز المأدوم بمرق الباقلاء ، وذكر أشياء من تقلله وزهده وورعه ، وتوفي عن خمس وتسعين سنة ، رحمه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عبد الله بن محمد بن ورقاء ، الأمير أبو أحمد الشيباني من أهل [ ص: 395 ] البيوتات والحشمة ، بلغ التسعين ، روى عن ابن الأعرابي أنه أنشد في صفة النساء :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      هي الضلع العوجاء لست تقيمها     ألا إن تقويم الضلوع انكسارها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أيجمعن ضعفا واقتدارا على الفتى     أليس عجيبا ضعفها واقتدارها

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : وهذا الشاعر أخذ هذا المعنى من الحديث الصحيح إن المرأة خلقت من ضلع أعوج ، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج . "

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها توفي محمد بن عيسى بن عمرويه الجلودي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      راوي " صحيح مسلم " عن إبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه ، عن مسلم بن الحجاج ، وكان من الزهاد ، يأكل من كسب يده من النسخ ، وبلغ ثمانين سنة ، رحمه الله تعالى وإيانا بمنه وكرمه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية