الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          [ ص: 416 ] ( الباب السادس )

                          في الأعمال الصالحات التي هي الركن الثالث مما جاء به الرسل ( عليهم الصلاة والسلام ) وما يقابلها من الأعمال العامة ، وأخرناه لأنه الثمرة والنتيجة وهو قسمان :

                          ( القسم الأول : الأعمال الصالحة )

                          ( 1 ) قوله تعالى في الآية الرابعة : ( ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط ) والصالحات ما تصلح به أنفس الأفراد ونظام الاجتماع في البيوت والأمة والدولة ، هذا هو الركن الثالث مما جاء به جميع رسل الله مجملا ، وفصل في كل ملة بحسب ما كان من الاستعداد فيها ، وكل عمل من العبادات الدينية أو المعاملات المدنية والسياسية لا يؤدي إلى الصلاح أو الإصلاح فهو غير صالح ، فإما فاسد في أصله ، وإما أدي على غير وجهه .

                          ( 2 ) قوله تعالى : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم ) ( 9 ) وقد بينا في تفسيرها علاقة الإيمان بالعمل الصالح ، وكون كل منهما يمد الآخر ويستمد منه ، ومن لم يفقه هذا ويتوخه لم يفقه في دينه ، ولم يكن به صالحا يستحق الجزاء الذي وعد الله به في هذه الآية وما قبلها ، وفي أمثالهما من طولى السور ومئينها ومفصلها حتى أقصرها ( وهي سورة والعصر ) ويؤيد هذا اتحاد الإيمان والإسلام في الماصدق وإن اختلفا في المفهوم كما ترى في الآيتين 84 و 90 ، فمفهوم الإيمان التصديق الإذعاني الجازم بما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - من الدين ، وهو يستلزم العمل به ، ومفهوم الإسلام التسليم والانقياد بالفعل وهو العمل بمقتضى الإيمان ، ولا يصح فيكون إسلاما إلا به .

                          ( 3 ) قوله تعالى : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) ( 26 ) ظاهر في دلالة الزيادة على ما ورد في القرآن من مضاعفة هذا الجزاء .

                          ( 4 ) قوله تعالى في التعريف بأوليائه : ( الذين آمنوا وكانوا يتقون ) ( 63 ) فالتقوى جماع الأعمال الصالحة الحسنة مع اتقاء الأعمال الفاسدة السيئة ، كما فصلناه في مواضع من هذا التفسير أبسطها وأظهرها تفسير قوله تعالى : ( إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ) ( 8 : 29 ) الآية .

                          ( 5 ) قوله حكاية لوصية موسى لقومه : ( وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين ) ( 87 ) .

                          ( القسم الثاني : في السيئات وفي الأعمال المطلقة بقسميها )

                          ( 6 ) قوله تعالى في منكري البعث والجزاء ، الراضين المطمئنين بالحياة الدنيا وحدها غافلين عن آيات الله فيها : ( أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون ) ( 8 ) .

                          ( 7 ) قوله فيمن يعبد الله على حرف ، فيدعونه في الضراء وينسونه في السراء : ( كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون ) ( 12 ) .

                          [ ص: 417 ] ( 8 ) قوله بعد بيان بغي الناس في السراء وغرورهم بمتاع الحياة الدنيا وكون وباله على أنفسهم في الآيات 21 - 23 ( وهي بمعنى ما قبلها ) : ( ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون ) ( 23 ) .

                          ( 9 ) قوله : ( إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ) ( 15 ) .

                          ( 10 ) قوله : ( والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها ) ( 27 ) الآية .

                          ( 11 ) قوله في الآية : ( ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون ) ( 52 ) .

                          ( 12 ) قوله في الآية : ( إن الله لا يصلح عمل المفسدين ) ( 81 ) .

                          ( 13 ) قوله تعالى في الأعمال المطلقة بقسميها : ( ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون ) ( 14 ) .

                          ( 14 ) قوله تعالى بمعنى ما قبله أيضا : ( وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون ) ( 41 ) .

                          ( 15 ) قوله تعالى بمعنى ما قبله أيضا : ( ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه ) ( 61 ) .

                          ( 16 ) قوله في الوصية العامة من الدعوة العامة من خاتمة السورة : ( فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل ) ( 108 ) .

                          فنسأل الله عز وجل أن يصلح أعمالنا ، ويجعل خيرها خواتيمها .

                          وهذا آخر ما نختم به خلاصة هذه السورة البليغة ، ونضرع إليه عز وجل أن يوفقنا لإتمام تفسير كتابه الحكيم مطولا ومختصرا ، مفصلا ومجملا ، كما يحب ويرضى من بيان الحق ، وهداية الخلق ، وله الحمد والشكر في كل فاتحة وخاتمة .

                          وصلى الله على نبي الرحمة وآله وصحبه ، والمهتدين من خلقه

                          قد جعلنا آخر هذه السورة آخر الجزء الحادي عشر

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية